دكتور وائل صالح يكتب: أردوغان وخلطة مندريس
افتتح أردوغان، الأربعاء، جزيرة “ياسّي أدا” في بحر مرمرة باسمها الجديد “جزيرة الديمقراطية والحريات”، تلك التي شهدت صدور حكم الإعدام بحق رئيس الوزراء الأسبق عدنان مندريس ورفاقه، بعد انقلاب عسكري عام 1960. وقال أردوغان في تلك المناسبة: إن “مندريس ورفاقه سيحافظون على مكانتهم الرفيعة في قلوب الشعب التركي إلى الأبد”، فمن هو عنان مندريس؟
عدنان مندريس هو الذي قاد تركيا في الفترة ما بين 1950 و1960، وأدخل تركيا في حلف شمال الأطلسي وجعلها رأس حربة الغرب في المنطقة، وخصوصا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك بزعامة جمال عبد الناصر، في المقابل جعلت الولايات المتحدة من تركيا دولة منتفعة من خطة مارشال، فتلقت معونات هائلة ودعما على كل المستويات أسهم في تطوير الحياة الاقتصادية وتقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة من الازدهار الاقتصادي.
مع انتهاء خطة مارشال في تركيا في منتصف الخمسينيات، سقطت البلاد في أزمة اقتصادية طاحنة، ولتشتيت انتباه الشعب من تبعات تلك الأزمة الاقتصادية، قام مندريس بتصعيد الخلافات مع اليونان في القضية القبرصية، وقد أدى ذلك الشحن إلى وقوع مذابح اسطنبول في 1955 ضد الأقلية اليونانية.
عارضت تركيا في عهد عدنان مندريس الثورة الجزائرية، واصفةً إيها بأنها “تمرد وشأن داخلي فرنسي”، وامتنعت عن التصويت على قرار الأمم المتحدة بقبول الجزائر دولة مستقلة.
وبعد خمسة أسابيع من تولي عدنان مندريس الحكم، أرسل أول سفير إلى إسرائيل، وهو سيف الله إسين، وفي 3 يوليو 1950، في هذا الصدد عثر على وثائق في السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، ما يؤكد وجود اتفاق ثلاثي بين استخبارات تركيا وإسرائيل وإٍيران كان قد وقع 1958 ويحمل اسم Trident.
في النصف الثاني من عام 1957 نشر مندريس آلاف القوات على امتداد الحدود التركية السورية، وأرسل عبد الناصر قوات مصرية إلى اللاذقية لدعم سوريا في مواجهة التهديدات التركية، من جانبه هدد نيكيتا خروشوڤ بأنه سيطلق صواريخ على تركيا لو قامت بمهاجمة سوريا، بينما قالت الولايات المتحدة إنها ستهاجم الاتحاد السوڤيتي ردًّا على هذا الهجوم، إلى أن انتهت الأزمة في أواخر أكتوبر، عندما وافقت تركيا على وقف عملياتها الحدودية في أعقاب الضغط الأمريكي، وعندما قام خروشوڤ بزيارة السفارة التركية في موسكو.
علي مستوى السياسة الداخلية، أعاد مندريس إلى تركيا بعض مظاهر التدين، فأعاد الأذان باللغة العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة، وفتح أول معهد ديني عال، إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم.
على مستوى الحريات العامة، كان مندريس يفتقد لأي تسامح تجاه الانتقادات ضده أو ضد حزبه، فوضع نظاماً صارماً للرقابة على الصحافة، وألقى القبض على الكثير من الصحفيين وكبت الأحزاب المعارضة وفرض سيطرة صارمة على الجامعات، وأسس لجنة التحقيقات (Tahkikat Komisyonu)، في سبتمبر 1958، اللجنة المكونة فقط من نواب حزبه، ولقد أعطيت تلك اللجنة سلطة المدعي العام والمدعي العسكري، مع حق إصدار أحكام قضائية في نفس الوقت، أضف إلى ذلك أن أحكامها لا يمكن استئنافها.
واليوم يكرِّم أردوغان مندريس وعلى خلطته يسير، معتقداً أنه عن مصيره ببعيد.