الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

التاريخ الذي نحمله على ظهورنا

الثلاثاء 22/أكتوبر/2024 - 03:02 م

"في البدء كانت مصر، قبل الزمان ولدت، وقبل التاريخ. 
هنا بدأ كل شيء؛ الزراعة، والعمارة، والكتابة، والورق، والهندسة، والقانون، والنظام، والحكومة.
هنا قبل كل شيء ولد الضمير؛ هكذا قال جيمس هنري برستيد في كتاب جليل عن مصر، عنوانه "فجر الضمير"، والضمير هو ذلك الوازع الداخلي في كيان الإنسان الذي يُنبهه إلى الخير، ويُحذره من الخطأ، ويُحاسبه على ما يقترف من أخطاء حسابًا داخليًا صامتًا، ولكنه أكثر ألما للإنسان من كل عقاب.

وعلى أساس هذا الضمير ظهرت الديانة المصرية القديمة، وكان المصري القديم أول من تنبه بالفطرة إلى حقيقة البعث والحساب.

وفي قلب المصري القديم، وفي بيته وفي مدينته وحقله، في أرضه وسمائه وجدت "ماعت" رمز الضمير والإحساس الإنساني والقانون الأخلاقي. و"ماعت" هي ما نسميه اليوم بالمروءة التي تعني الإنسانية والحب والخير والعدالة والفضيلة.

هذه المعاني كلها اكتشفها المصري القديم، وهو يعمل في حقله وينظر إلى السماء الزرقاء، ويستعطف الشمس، ويعانق النبات الأخضر الطالع. 

وعندما اكتشفها المصري القديم وصل إلى أعظم كشف في تاريخ الفكر البشري؛ "اكتشف أنه إنسان"، وأن هناك فرقًا بينه وبين الحيوان؛ فلا تنازع على البقاء وإنما تعاون للبقاء، لا قتل ولا ظلم ولا عدوان، بل حب وتعاون وإخاء.
قرون تجري في أثر قرون، عوالم تولد ثم تموت، ومصر هنا في مكانها، تبني وتنشئ وتُعمر، وتكتب وترسم، وتُنشد وتُصلي، وتتألق وتتوهج، وتخبو ثم تتألق وتتوهج".

بهذا النص المكثف الذي يفيض بحب عميق لمصر وتاريخها وثقافتها وحضارتها وشعبها افتتح الكاتب والمفكر والمؤرخ المصري الأصيل الراحل الدكتور حسين مؤنس (1911- 1996) كتابه العظيم "مصر ورسالتها"، الذي وضعه صاحبه متسلحًا بروح المؤرخ، وعقل المفكر، ورؤية الأديب، ووعي وقلم الناقد، ليُعلمنا أن نفهم ونحب مصر والمصريين بوعي ومن خلال العمل؛ لأن الحب بجهل وبالكلمات فقط يضر ولا منفعة فيه. 

وهو كتاب مهم صغير الحجم جدير بالقراءة، وبأن يكون اليوم كتابًا للوطنية المصرية يُمكن أن يتم تدريسه لطلاب المرحلة الثانوية، لكي يُنمي عندهم مشاعر الانتماء والولاء ومقومات الشعور والواجب الوطني، ولكي يُعلمهم قيمة وعظمة وطنهم وتاريخهم، وخصوصية ثقافتهم وحضارتهم، ويُحفزهم على بذل الجهد لوصل الحاضر بالماضي، وصنع مستقبل واعد يليق بعظمة مصر وعظمة التاريخ الذي يحملونه على ظهورهم.

تابع مواقعنا