الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

صعيد مصر.. المكان والإنسان والأحلام

الأربعاء 21/أغسطس/2024 - 02:35 م

الصعيد لغة كما أورد المقريزي في كتابه المواعظ والاعتبار هو المرتفعُ من الأرض، وقيل: الأرض المرتفعة من الأرض المنخفضة، وقيل: الأرض الطيبة، وقيل: هو كل تراب طيب. ومنه ما صار يُعرف اصطلاحًا بصعيد مصر. وذكر المقريزي أن تسمية صعيد مصر بهذا الاسم جاءت بعد الفتح العربي ودخول الإسلام إلى هذه البلاد، وقد سماها العرب بذلك لأنها جهة مرتفعة عما دونها من أرض مصر.  

وأعترف أن الكتابة عن الصعيد (المكان والإنسان)، هي كتابة عن وجعنا الشخصي، وعن صعيدنا الجاني علينا والمجني عليه.  الصعيد الساخطون عليه  الفارون منه، والعاشقون له ويملؤنا دائمًا الحنين إليه. وهي كتابة أيضًا عن حلمنا بواقع اقتصادي واجتماعي وثقافي مختلف في الصعيد يجعله حاضنة حميمة لأبنائه وليس بيئة فقيرة قاسية طاردة.

وأبرز ما سوف أتحدث عنه هو خصوصية صعيد مصر الطبيعية والثقافية؛ فعلى مدار التاريخ المصري القديم والحديث، تميز الصعيد بخصائص جغرافية وطبيعية  أثرت في حياة  طِبَاعُ  سكانه، وفي تكوينهم الروحي والذهني واتجاه ثقافتهم؛ فالصعيد البعيد النائي القريب من السماء بارتفاع أرضه، الفقير في موارده الاقتصادية والثقافية قد أتاح دومًا لبعض أبناءه فائضًا من الوقت، دفعهم إلى الخروج من أسر فقر وضيق الواقع وتناقضاته، بطلب العلم والقراءة، والتأمل والتفكير العميق في وضعية الإنسان على الأرض، وعلاقته بالله والمجتمع وكل ما حوله. 

وكان لا بد أن تنطلق مع طول هذا التأمل تجربة دينية وفلسفية، وحس درامي وشعري يختلف في درجة عمقه والتعبير عنه من إنسان لآخر، ويستهدف محاولة الإجابة على التساؤلات التي تدور في ذهن الإنسان الصعيدي المهتم دائمًا فكرة البطولة والمثل الأعلى، المشغول بالبحث عن معنى وقيمة لوجوده، وعن آفاق أكثر إنسانية لحياته، وعن تحقق أكثر فاعلية لقدراته وأحلامه.

ويمكن أن نجد في تلك القراءة لخصوصية المكان وعلاقة الإنسان به في صعيد مصر تفسيرًا لكثرة الأدباء والشعراء ورجال الدين والفكر العظماء الذين أنجبتهم هذه الأرض الطيبة، وكيف جاءت إبداعاتهم وأفكارهم مسكونة برؤية تجمع بين التأمل الفلسفي، والحس الديني الصوفي العميق، والرغبة في الإصلاح الدنيوي، والانشغال بهموم الإنسان ومعاناة البسطاء، وبكل ما ينبغي أن يكون. 

وقد عبر الشاعر الراحل أمل دنقل (1940 – 1983) عن هذه الخصوصية والرؤية والروح والأحلام، فقال: 
الجنوبي يا سيدي يشتهي أن يكون الذي لم يكنه 
يشتهي أن يلاقي اثنتين:
الحقيقة والأوجه الغائبة.

تابع مواقعنا