الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

زمن الكدا وكدا

الأحد 23/يوليو/2023 - 08:07 م

مع بداية انتشار فيروس كورونا في عام 2019 وضعت أغلب الهيئات والمصالح بوابة تعقيم على مدخلها حتى يمر منها من يدخل إلى هذا المكان، وكنت أزور أحد أصدقائي في محل عمله مساء، وأثناء خروجنا لاحظت أن كل من يدخل لا يلتزم بالمرور من هذه البوابة وقد دخل الجميع من الفتحة المجاورة لها. 


أثار ذلك حفيظتي ذلك الأمر، خاصة أن الأمن الموجود لم يعترض على هذا التصرف، وقلت له لماذا تم وضعها وتحمل تكلفتها العالية مادامت لم تستخدم، وطالما أنهم يتركون مكانا مفتوحا بجانبها مما يفتح الباب للتحايل، وكأن هناك إصرار دائم على ترك ثغرة في كل شيئ تسمح للمخالفين بالمرور منها حتى وإن كانت بوابة تعقيم. 


قال لي صديقي في الصباح الأمر يكون مختلفا تماما، حيث يمر الجميع من تلك البوابة، وبعد الظهيرة عندما تأتي الفترة المسائية يتغير الوضع تماما ويصبح كما رأيت. 


فسألته وما الفائدة من ذلك، فأجابني قائلا "كدا وكدا" ولعلنا جميها في مصر نعرف ما معنى هذه الكلمة وكيف يتم استخدامها، حيث إنها تطلق على كل أمر شكلي أو كاذب وغير حقيقي، أتذكر عندما كنا أطفالا ويحكي أحدنا رواية غير حقيقية، ويسأله آخر مقرب منه عن مدى صحة ما يقوله، يقوم بالغمز بإحدى عينيه أو يضغط على شفته السفلية ويقول بصوت خافت كدا وكدا. 


لم أكن أتخيل أن يتحول ذلك المصطلح إلى شعار أساسي يمكن أن نعيشه، ليصبح أغلب ما يجري حولنا كدا وكدا ويصل حتى هذا الأمر إلى التعليم الذي هو أهم ما يمكن أن تعتمد عليه الأمم للحفاظ على بقائها من الأساس فضلا عن تقدمها وريادتها. 


منذ سنوات قامت وزارة التعليم العالي بتطبيق نظام تعليم جامعي أكثر من رائع سمي بالتعليم المفتوح وكان يسمح لخريجي الثانوية العامة والحاصلين على الدبلومات الفنية بالالتحاق بالجامعة، وتحديدا كليات معينة جميعها نظرية بشرط مرور 5 سنوات على التخرج، تسبب ذلك النظام في التأثير المباشر على الجامعات والمعاهد الخاصة والأكاديميات عديمة الفائدة نظرا للإقبال الكبير عليه خاصة وأن شهادته معتمدة كونها من جامعات حكومية معترف بها ويمنح درجة الليسانس والبكالوريس ولم تكن تكلفته عالية أيضا. 


تسبب ذلك في قيام حرب شعواء على نظام التعليم المفتوح، وتم تجنيد بعض الشخصيات كأبواق لقيادة هذه المعارك، للأسف، ولم يهدأوا حتى تم إلغائه منذ سنوات بدلا من محاولة إصلاحه وتطويره إذا كان يحتاج لذلك، رغم أنه كان وسيلة تمنح الفرصة لمن يريد تحسين وضعه العلمي بالحصول على شهادة جامعية ربما لم تسمح له ظروفه السابقة بنيلها، والعجيب أن التعليم النظامي الآن بدأ في الاتجاه إلى نظام يشبه المفتوح كونه مطبقا بالفعل في العديد من الدول بشكل أساسي، وذلك تطور طبيعي يواكب عصر التكنولوجيا الذي نعيشه.

وما يؤكد أنهم كانوا مجرد أبواق مأجورة أننا لا نجدهم الآن يتحدثون عن مافيا التعليم الخاص مدفوع الأجر من المرحلة الثانوية وحتى الجامعة، والذي يساوي بين المجتهد وضعيف المستوى بكل أسف، مما يمكن أن يتسبب في كارثة مستقبلية بسبب وجود أجيال تحمل شهادات عليا ربما لا تجيد الإملاء، لا لشيئ إلا لأنهم يستطيعون دفع الثمن اللازم لذلك، في المقابل قد يتسبب هذا في إحباط المجتهدين وإصابتهم بالاكتئاب وربما يتحولون إلى النقيض تماما. 
الحل يكمن في إنهاء هذه المافيا تماما، أو على الأقل تشديد الرقابة عليها بحيث لا يصبح المال هو وسيلة الوصول للشهادة العلمية أيضا، بعدما أصبح للأسف يشتري كل شيء تقريبا حتى ضمائر البعض، لدرجة أفقدت أغلب المهن الرفيعة قيمتها ومعناها.


الجهل أخطر من الأمية وهو ما يمكن أن نسير إليه الآن دون أن ندري، طالما أن التعليم نفسه تحول إلى كدا وكدا.

تابع مواقعنا