الأطفال لا يكذبون
الطفل الإنجليزي "توماس" أو "توم" زى ما أسرته متعودة تناديه عنده 7 سنين.. من وقت ميلاده ووالدته مصممة إنها تربيه على الصدق وعدم الكذب مهما كانت الظروف اللي هو فيها.. يعني حتى لو هيحصل لك إيه إياك تكذب.. إياك توعد وتخلف.. إياك تخدع.. مجموعة من الممنوعات اللي بتمس الأخلاق كلها بتندرج تحت عنوان عريض من كلمة واحدة هو "الكذب".. لو دققت في وجهة نظر الأم هتلاقي عندها حق بصراحة!.
الحقيقة إن أصل كل الشرور اللي في الدنيا أساسها الكذب.. شاب ماطلعش قد ثقة البنت اللي حبته وسابها بعد ما علقها بيه، ده اسمه كذب.. شخص طلب رأيك فتقول له رأى خبيث عشان تخليه يبعد عن سكة حد أنت بتحبه أو عن هدف من أهدافك العملية، ده اسمه كذب.. الفشخرة على خلق الله وادعاء إنك تمتلك اللي مش عندك لمجرد بس إنك تتمنظر عليهم بدون أصلًا ما تكون مضطر لكده، ده برضه اسمه "كذب".
والدة "توم" كانت مؤمنة إنها لو قفلت على ابنها من صغره حنفية الكذب فهي هتقفل كل الشرور اللي ممكن تصدر منه لغيره بكره وبعده.. والنتيجة؟.. "توم" بقى عبارة عن صفحة بيضا.. طفل نقي بيقول اللي بيحس بيه بدون حسابات، ولسانه مش بينطق غير الصدق.
في يوم راح المدرسة بتاعته وأثناء الحصة الفنية كانت الأستاذة بتتكلم عن قصة بطلها سوبر مان.. وهي بتتكلم "توم" قاطعها وقال قدام باقي الأطفال وقدام الأستاذة: (عمي هو "سوبر مان").. بمجرد ما نطق الكلمة الأطفال ضحكوا بتريقة، والأستاذة كمان ماقدرتش تمسك نفسها وضحكت غصب عنها اللي هو كإنها بتاخده على قد عقله، وكملت كلامها بعد هزة لطيفة من راسها!.. "توم" حس بإهانة ووقف من مكانه وقال بتصميم عيالي غريب: (أنا صادق!، و"سوبر مان" عمي بالفعل).. الأستاذة اضطرت وسط ضحك باقي الأطفال اللي بقى هيستيري إنها تقوم بحسم لـ "توم": ("سوبر مان" شخصية خيالية ولا يوجد لها أثر في الواقع يا "توم" كما أنك لسه مضطرا لأن تكذب!).. الولد انفجر في البكاء وقال: (أنا لا أكذب، وعمي هو "سوبر مان").. هنا الأستاذة حست إن فيه مشكلة كبيرة ومحتاجة تدخل.. في الظروف اللي زى دي بيحتاجوا إنهم يتعاملوا مع الأطفال بشكل علمي نفسي مدروس.. الأستاذة طبطبت عليه بدون ما تديله أى رد فعل.
بعد الحصة ما خلصت خرجت واتصلت بوالدته عشان تحكي لها اللي حصل.. الغريب إن الأستاذة وهي بتحكي قالت للأم إننا محتاجين نتعاون عشان نخلي "توم" يبطل كذب، وكويس إننا اكتشفنا ده دلوقتي قبل ما خياله يشطح أكتر.. الأم حست إن الأستاذة خلاص حاسمة أمرها بإن ابنها كذاب، وأكيد المناقشة معاها مش هيكون لها ثمن فقالت لها بكرة هتواصل معاكي تاني.. لحد هنا تمام والأستاذة من وجهة نظرها وصلت الرسالة بتاعتها وأخلت مسؤوليتها وأما نشوف الأم هتعمل إيه بكره.
في نفس اليوم بالليل اتصلت والدة "توم" بالفنان البريطاني "هنري كافيل"!.. أيوا بالظبط كده.. "هنري" هو الفنان البريطاني اللي جسد شخصية سوبر مان في واحد من أشهر الأفلام وأهمها.. أيوا كمان "هنري" هو عم "توم" يعني أخو والد "توم" مباشرة!.. اتصلت الأم بأخو جوزها عشان تبلغه باللي حصل وتطلب منه إنهم يشوفوا حل!.. "هنري" كان عارف إن والدة "توم" مهتمة بتربية الطفل على الصراحة والوضوح، وفي نفس الوقت مش هينفع الراجل يتصل بالمدرسة يقول لهم على فكرة ابن أخويا مش كذاب أنا فلان الفلاني.. عمل إيه؟.. رغم إنه بيكره الزحمة ومش بيحب يخرج في أماكن فيها ناس كتير لإنه شخصية خجولة، ورغم إنه وقتها أصلًا كان في دولة تانية لكن "هنري" حجز تذكرة طيران وسافر لمكان المدينة اللي فيها "توم" ووصل قبل ميعاد الخروج من المدرسة وقرر بالاتفاق مع والدة "توم" إن هو اللي يستلم الولد في اليوم ده!.. طبعًا كل المدرسة بأطفالها بالمدرسين اللي فيها كانوا في حالة ذهول وهما شايفين الممثل المهم "هنري كافيل"، وهو خارج وماسك في إيده الطفل "توم" اللي رافع راسه فوق واللي كان بيقول امبارح إن "سوبر مان" عمه!.. الله!.. ده طلع عمه بجد!.. أكيد!، ما هو "توم" متربي إنه مايكذبش، وماكنش ينفع حد يكسرله التربية دي مهما كان الثمن.
معظم الأزمات النفسية اللي بنقابلها في أشخاص غير أسوياء اتعاملنا معاهم سببها إنهم اتربوا غلط.. أو ماتربوش أساسًا.. مفيش شخص متربي صح، وعلى الأصول، وعنده قائمة ممنوعات بتمس الأخلاق اتزرعت فيه من صغره وأساسها إنه مايضرش حد؛ هيبقى بكرة وبعده إنسان مؤذي لنفسه أو لغيره.. اللي بيكسلوا يربوا كام سنة في الأول، بيفضلوا يدفعوا ثمن ده باقي عمرهم في أولادهم اللي بيتحولوا لكتل متحركة من التبلد، وجرح مشاعر الغير، وقلة الذوق، وعدم الاحترام، والخيانة، والخيابة.. الناس بتستسهل تخلف، وبتستصعب تربي.. الفيلسوف "أرسطو" قال: (جذور التربية مرة ولكن ثمارها حلوة).