جوهر الصيام
ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه سيدنا أبو هريرة -رضى الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “من صام رمضان غفر له ما تقدم من ذنبه”، وهذا حديث كثيرًا ما تردد على ألسنة الدعاة والخطباء في بداية شهر رمضان، حتى أصبح مشهورًا بين الناس متعلميهم وعوامهم، مما يجعلني أتخيل ما يدور الآن في عقل القارىء، أتخيله يقول: هذا الحديث فيه سقط لعله حدت سهوا من الكاتب، أو لعله بسبب خطأ مطبعي غير مقصود، وكلاهما غير صحيح، فليس الخطأ والسقط عن سهو، وكذلك ليس بسبب خطأ مطبعي، فلفظ الحديث: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”، أخرجه البخاري عن أبى هريرة فى كتاب الإيمان من صحيحه، ورواه غيره من أعلام الحديث بألفاظ متقاربة.
وما قلنا ذلك استحلالًا للكذب على رسول الله -صلى الله علیه وسلم- فهذا حرام بإجماع، ولكن ما قصدته أن الإنسان المسلم الذي سيصوم رمضان، ويطمع في المنحة المذكورة فى الحديث وما أعظمها، وهي غفران ما تقدم من الذنوب، ومحو ما سلف من السيئات، عليه أن يهتم بتحقيق الشرط أولا، وربما ظن الكثيرون أن شرط الصيام الذى يستوجب معه العبد غفران الذنوب، هو فقط الامتناع عن الطعام والشراب لمدة معينة، وكذا شهوة الفرج، وهذا تفكير خاطئ وقاصر، لا يحقق مقصود الصيام ولا الغاية منه، بل لابد أن يصوم المسلم مؤمنا محتسبا، أي مصدقا بما وعده الله به من الأجر والثواب على صيامه، وأن يكون مخلصا في عبادته لله تعالى لا يبغي بها إلا وجهه بلا رياء أو سمعة.
وهكذا يتحقق الشرط، وينال الإنسان الثمرة، وهذا ما ألمح إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديثه لعلاج هذه النظرة القاصرة للعبادات كلها ومنها الصيام، ألا يكون فعل المسلم للطاعات والعبادات أداء بالجسد لا روح فيه، ولاحضور للقلب فيه، وهذا يفرغها من مضمونها، ولا يحقق أهدافها، واستمع إليه –صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: “من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”.
فماذا يبقى من الصلاة إذا كانت مجرد حركات يؤديها المصلى بجسده، وماذا يبقى من الصيام إذا كان مجرد حرمان ومنع للجسد من الطعام والشراب؟! وماذا يبقى من الحج إذا كان مجرد رحلة يؤدى فيها المسلم بعض المناسك، دون فهم لمراميها، أو تلمس للعبر والعظات منها؟! وماذا يبقى من تلاوة القرآن إذا كان مجرد قراءة، دون تدبر وفهم لمقاصده وإدراك لمعانيه، واستلهام لمبادئه وتفعيلها فى واقع الحياة؟!
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا انك أنت التواب الرحيم.