صلاح جاهين.. ومضة مضيئة في مسيرة الفن المصري
اسمحوا لي أن أتطرق لسيرة قامةٍ من القامات العالية التي أضاءت سماء عصره والذي تجسدت فيه أعماله الخالدة في فترة السبعينيات من القرن الماضي وما بعدها، فقد كان صلاح جاهين من أبرز ملامح هذه الفترة وأحد نجومها البارزين، بما يحمله في داخله من شفافية عالية، وخيال خصيب يحلق في آفاق الفن والشعر، فقد كانت أقدامه ثابتة على ساحة الإبداع، فلا غرو إذا قلنا إن صلاح جاهين كان كتلة من الأحاسيس الفياضة الجياشة التي تمشي على أرض الواقع يمر بين دروبه ليأسر منه كل شاردة وواردة ـ وينهل من فيض الحكمة والفلسفة.
فقد ولد هذا العبقري الفذ في 25/12/1930 وتوفي في 21/4/1986، والملاحظ أن الفترة بين تاريخ الميلاد وتاريخ الوفاة كانت قصيرة، ولكنها كانت ثرية في العطاء، فقد ترك لنا أعمالًا قيِّمة في الفن والشعر، ومن قصائده التي أظهرت موهبته الاستثنائية: (1) الدنيا صندوق دنيا (2) غمض عينيك وارقص بخفة (3) مرغم عليك يا صبح (4) يأسك وصبرك بين ايديك (5) أيا إنسان ما أجهلك (6) ميلاد (7) بكره أجمل من النهارده (8) مرحب (9) أنغام سبتمبرية.
كذلك من مؤلفاته القيمة: (1) مش كل البشر فرحانين (2) لموا الكراسي (3) عجبي
فقد كان صلاح جاهين الشاعر المتفرد ورسام الكاريكاتير والممثل والسيناريست فقد كتب ثمانية عشر عملًا من مسلسلات ومسرحيات وأفلام أضف إلى ذلك أنه عمل محررًا لمجلات وصحف عديدة.. ومن أشهر أعماله المتميزة سيناريو فيلم: خلي بالك من زوزو، الذي أظهر موهبته الحقيقية فكان من أكثر الأفلام رواجا في سبعينيات القرن الماضي واستمر عرضه أربعة وخمسين أسبوعا متتاليا.
كذلك فإن من أعماله الاستثنائية التي شاعت وذاعت في حياته وخلدت بعد وفاته أوبريت الليلة الكبيرة، وذلك على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وقد لحنها وغناها الملحن والمطرب المتفرد / سيد مكاوي، والتي عاشت معنا حتى اليوم وسوف تتناقلها وتتبناها الأجيال القادمة.
فهذا الأوبريت بلا مبالغة معجزة فنية، من حيث الكلمات وكذلك التلحين والغناء لخفة ظله وتغطيته لكل الشواهد من واقع المولد، وتتجلى العبقرية في هذا العمل الفني الرائع في أنه يقدم للمشاهد المتابع السهل الممتنع الذي أبهر وأدهش من رأى ومن سمع، وظني أنه سيكون هدية ثمينة للأجيال المقبلة.
فهذا الأوبريت من أشهر ما قدم مسرح العرائس في مصر في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فقد قدم وصفًا شاملًا رائعًا ممتعًا للمولد من خلال شخصياته (الأرجواز وبائع الحمص وبائع البخت والقهوجي والمعلم والعمدة والراقصة ومدرب الأسود والأطفال والمصوراتي ومعلن السيرك والمنشد والفلاح.
فقد جسَد كل هذه الشخصيات في شكل كوميدي وخفة ظل قل أن توصف.
أما الرباعيات فتحدث ولا حرج وهي قصائد باللهجة العامية المصرية، التي أظهرت موهبته الأصلية فرددها القاصي والداني حيث أنها تتميز بالبساطة والفكاهة والحكمة، والفلسفة التي تعبر عن واقع الحياة المعاشة وتغوص في أدق تفاصيلها.
رحم الله صلاح جاهين فقد رحل عن عالمنا في 21/4/1986 بعد أن ترك لنا إرثًا وكنزًا أدبيًا وفنيًا، وبصمة مضيئة على ساحة الإبداع لا تُمحى من وجدان وعقول محبي الفن الراقي وأصحاب الذوق الرفيع، فقد كان الشاعر الملهَم.. الملهِم، والفنان المبدع، والكاتب الموهوب المتمكن من أدواته.