السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

رواية الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد تحصل على شهادة من جائزة العالم العربي

غلاف الرواية
ثقافة
غلاف الرواية
الثلاثاء 25/يناير/2022 - 11:07 م

حصلت رواية الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد للشاعر والروائي المصري أحمد فضل شبلول على شهادة التقدير الخاصة من لجنة تحكيم جائزة العالم العربي للرواية في باريس في دورتها الأولى 2021، والتي تقدم لها حوالي خمسمائة رواية عربية، من شتى البلدان العربية.

وفي تصريح لـ القاهرة 24 قال أحمد فضل شبلول، إنه سعيد جدا بإشادة أعضاء لجنة تحكيم الجائزة بروايته عن الفنان التشكيلي المصري الرائد محمود سعيد الذي التحق بمدارس الرسم في باريس، ليجوّد من أعماله ولوحاته وبورتريهاته، منها أكاديمية جوليان في باريس، وكان دائم التردد على متحف اللوفر أثناء زياراته المستمرة لفرنسا وبعض الدول الأوروبية.

وأوضح شبلول، أن جائزة العالم العربي للرواية ينظمها في باريس مجموعة من المؤسسات المعنية بالرواية العربية وإبرازها لدى القراء العرب في فرنسا، وقد أعجبه نظام تحكيم الجائزة الذي أتاح بروز خمس عشرة رواية عربية، منها جوائز النقاد وجوائز القراء وجوائز وشهادات التحكيم، وربما يسهم هذا في ترجمة بعض هذه الروايات إلى اللغة الفرنسية لتكون متاحة أمام القارئ الفرنسي والمتحدثين باللغة الفرنسية لقراءة هذه الأعمال وتذوقها. ولا يستبعد شبلول أن يلعب معهد العالم العربي في باريس دورا مهما في هذا المجال.

 

غلاف الرواية

 

نص من رواية الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد 

ومنحنا الروائي أحمد فضل شبلول اقتباسا من روايته، ومنها نقرأ: 

العالم يبدأ وينتهي هنا، حيث الماء والزرقة والإسكندرية وبنات بحري. أريد أن أقف وأشبّ وأرى ما في خارج الحجرة التي سأموت فيها بعد قليل، فربما تكون إطلالتي الأخيرة على الخطوط والألوان، تعبت من اللون الأبيض، اللون الناقص الذي يتسيّد الحجرة وملاءات السرير والقطن ومعاطف الممرضات والأطباء والطبيبات، أريد الأزرق دائما.. والأزرق في الخارج.. في السماء والبحر وترام الإسكندرية، وأنا ممنوع من مغادرة الأبيض ضقتُ بالأبيض ذرعا.

ألم يعرف هؤلاء الأطباء أنني قضيت حياتي بين الألوان، فكانت أكثر وفاء
لي من البشر، حتى الأبيض كان صديقا لي، وكانت كفي دائما بيضاء على الجميع، دائما ما كنت أداعب خطوطها واستلهم منها الكثير من الأفكار.

عندما أمسكتْ كفي قارئة الكف في ديليس منذ سنوات بعيدة قالت: ستموت في يوم ميلادك. وذكرى ميلادي السابعة والستين غدا 8 أبريل، الآن فقط أدركت مغزى ما قالته تلك العرافة التي كلما حاولت رسمها يهرب مني وجهها، كأنه وجه الموت الذي يهرب مني ولكنه يقترب بشدة الآن. لا يوجد أحد معي في الحجرة كي يحملني إلى حامل الرسم ويجعلني أمسك الفرشاة وأخلط الألوان لأرسم وجه العرّافة ووجه الموت الآن.
سأرسمك أيها الموت مهما رحتَ أو جئت، سأرسم تفاصيلك وثناياك مهما صغرتَ أو كبرت، لن أرسمك باللون الأسود، سأرسمك باللون الأزرق.. لوني المفضل وعشقي في الحياة. ولأنني أغادر الحياة الآن، فليكن الأزرق هو سبيلي إليك أو سبيلك إليّ. تعالَ ولا تخف مني، سأرسمك جميلا وحنونا مثل أمي ومثل ابنتي نادية. هات يدك وتعال لا تجعلني أتراجع ولا أريدك أن تتراجع.

أشعر أن ملامحي تبدأ في التبدل والتلاشي وتتسع دوائر دوائر.. فهل أتيتَ.. هل دخلتَ في أعماقي الآن؟ صارت ملامح المكان أكثر حدة من ذي قبل، صارت الألوان أكثر سخونة، تراودني بعض لوحاتي تقترب وتبتعد، ها لوحة المدينة تظهر وتختفي، أريد أبطالها يجلسون أمامي الآن، ويحكون لي ماذا فعلوا طوال السنوات السابقة منذ عام 1937 وحتى الآن؟ ماذا فعل بائع العرقسوس وصاحب الحمار وابنه الذي يركب على الحمار، بل ماذا فعل الحمار نفسه؟ هل لا يزال حمارا؟
أما بنات بحري الثلاث اللواتي نقلتهن إلى لوحة المدينة، فقد عرفت مصيرهن من قبل، لذا غيرت ملامحهن. قُتلت حلاوتهم بيد زوجها السابق السنجاري، وتم إعدامه بعد ثبوت التهمة عليه، ولكن أحيانا كثيرة أحس أنها موجودة وأن مقتلها كان إشاعة لغرض ما، أحيانا أحس أنها ذهبت إلى باريس لتتعلم الإتيكيت واللغة الفرنسية، وتعود لتصبح نجمة سينمائية كما كانت تحلم، أو تصبح  دي بومبادور المصرية التي ترعى الأدب والفن والثقافة، رغم أنني لست لويس الخامس عشر، كما قلت لها في أول مرة تزور مرسمي في شارع سعد زغلول.

عادت ست الحسن أو توحيدة إلى الصعيد لتستكمل حياتها بعد أن أعدم زوجها عبدالحميد حيث لم يستطع الحصول على البراءة بعد أن اتهم بقتل أخيه، كانت كل أصابع الاتهام تشير إليه، ولم أستطع أن أفعل شيئا كما كانت تتمنى ست الحسن. أما جميلة فقد عرفت أنها هاجرت إلى فلسطين، بعد وفاة أبيها وضغوط طليقها وأسرتها، وبعد أن ضيَّق جمال عبدالناصر على اليهود في مصر بعد العدوان الثلاثي عام 1956.

يااااه.. كل هذه الأحداث مرت منذ سنوات بعيدة ولم تزل محفورة في ذاكرتي وأنا في النزع الأخير. أحيانا لا أرى ألوانا وخطوطا، وإنما أرى أضواء وظلالا، وأرى أشكالا تتقدم وأخرى تتوارى.

وحدي أعانق ذكرياتي وكنت أود أن أكتب مذكراتي، ولكن لن يمهلني الموت لأن أكتب شيئا، فتعال أيها الموت الجميل أحكي لكَ أيامي وأعرض عليك إطاراتي ولوحاتي التي لم تشهدها من قبل، لوحاتي هي حياتي، فهل ستشهد أيها الموت لوحات الحياة فلعلك تحيا معها، خذ مثلا لوحة "نادية بالرداء الأبيض" التي رسمتها عام 1944، وأنت تعرف أن نادية هي ابنتي الجميلة المشعّة بالحياة والألق، علّك تتعلم كيف تحيا أيها الموت عندما تنظر إلى تلك اللوحة وإلى ذلك الوجه الباسم وإلى ذلك القوام الفاتن في حلته البيضاء، انظر إلى الورود في يدها اليسرى وإلى تطريز الفستان، علّك تتعلم شيئا من الحياة وتفهم معنى الألوان.

لا أيها الموت الحبيب أنا لا أتحدث عن لوحاتي فقط، ولكن سأدعك تشاهد لوحات أخرى إذا أمهلتني قليلا من الوقت. دعني أعقد معك اتفاقا.. أنا أجعلك تشاهد لوحاتي ولوحات بعض الفنانين الآخرين الذين أحبهم، وأنت تمنحني مزيدا من الوقت ولا تقبض روحي الآن، وأيضا تمنحني بعض الحركة كي أخرج من تلك الحجرة البيضاء الكئيبة لأجعلك تشاهد الحياة، وتشاهد الألوان. لقد خلق الله اللون أولا، ثم خلق الصوت، ثم خلق الحروف! ألم تعرف ذلك؟ وإذا كان فيثاغورس يرى أن العدد يعتبر بمثابة سر الكون، فأنا أعتقد أن اللون هو سر الكون الأزلي، وأن للضوء طاقات درامية لا نهائية.

تابع مواقعنا