بسبب علقة سخنة.. كيف حدث أول تعارف بين أحمد حسن الزيات وجرجي زيدان؟
جُرجي زيدان، الروائي والمؤرخ والصحفي اللبناني الكبير، أحد أعمدة الأدب العربي الحديث، ومن آباء الرواية العربية الأوائل، المولود في 14 ديسمبر من العام 1861، يعد أشهر من أرخ التاريخ الإسلامي في صور روائية، كما ساهم في تقريب التراث العربي إلى القارئ العادي، كما أسس مجلة الهلال الشهيرة، ورأس تحريرها منذ صدور عددها الأول عام 1892.
ولد زيدان في بيروت، وكانت أسرته تعاني من الفقر والتهميش، وعُرف جرجي زيدان الأدب والثقافة في أول حياته عن طريق والده الأمي، والذي كان يمتلك مطعما صغيرا؛ يتوافد عليه بعض الأدباء، وطلاب الكليات، عمل أيضا خلال فترة دراسته في بعض الأعمال منها مساعدة والده في المطعم، واشتغاله في مصنع للأحذية، ظل كذلك إلى أن التحق بالكلية السورية البروتستانتية، وقرر بعد ذلك الذهاب إلى مصر، لدراسة الطب.
عمل زيدان في مصر إلى جانب دراسته في جريدة الزمان، كما عمل مُترجمًا، وأجرى جولة بعد ذلك بين بيروت وإنجلترا، قبل أن يعود لمصر، ليتفرغ للصحافة، وليفتتح مجلة الهلال الثقافية.
الزيات يحكي كيف كان أول تعارف
يحكي الأستاذ أحمد حسن الزيات في مقال له بمجلة الهلال عام 1956، عن بداية معرفة بجرجي زيدان، حيث يقول، إن ذلك كان في السنة الثامنة أو التاسعة من هذا القرن، يقصد 1909، وكنت حينئذ مدرسا للغة العربية وأدبها، بكلية الفرير بالخرنفش، ثم زادوني حصة كل يوم بمدرسة الفرير الابتدائية بالفجالة.
وتابع الزيات: كان تلاميذ هذا الفصل أغلبهم من الجالية اللبنانية، حيث كان يكثر في هذا الحي، وكانوا صباح الوجوه؛ من بينهم صبي خفيف، لا يكاد يستقر على حال، ولا يستمر على وضع، ولا يكتف بالعبث أو الحديث مع من يجاوره، وكنت استدعيه بالكلمة الطيبة، فيسكن قليلا ثم ينفجر، وكنت أجعله يقف أمامي رافعا يديه مُديرًا وجهه للحائط، لكنه يظل ينظر ويهز كتفيه، لينظر له بقية الفصل، مُنتظرين ما سيفعله هذا البطل الذي يتحدى سلطان المعلم، ولم أجد أبدا من ضربه علقة على يده بكعب الكتاب.
واستكمل: في الحصة التالية أقبل إليّ هذا المتمرد، وألقى إليّ رسالة في يديه، وعاد إلى مكانه في هدوء وصمت، وفتحت الرسالة فوجدت هذا النص: أستاذنا الفاضل، ولدك وولدي شكري زيدان يشكوان من أن معلمه لا يعامله بالعطف الذي يعامل به الآخرين، وأنه قسا عليه أمس قسوة لم يتعودها منه؛ الأطفال بطبيعتهم يبالغون، ولكن الأستاذ الفاضل يتفق معي على أي حال، في أن أنجح الوسائل في التربية الحديثة، هي تحبيب الأطفال في النظام، والعمل، عن طريق الملاينة والحيلة، وأرجو مستقبلا أن يجد الأستاذ من تلميذه ما يجب من الطاعة، وأن يجد التلميذ من أستاذه ما يرغب من العطف، وأنتهز هذه الفرصة لأقدم إلى الأستاذ تحياتي، المخلص جرجي زيدان.