دكتور خالد فهمي يكتب: تشكيل الهوية الجنوسية للمرأة.. "فأوحى لها" لدعاء أحمد نموذجًا
لا يبتعد القارئ كثيرا من تصديق سيطرة هاجس مشكل الهوية الجنوسية أو هوية النوع "الجندر" وهو يفتتح قراءته للمجموعة القصصية (فأوحى لها) للقاصة دعاء أحمد شكري.
ولعل تعالي الشعور بهذا الهاجس مرجعه إلى أمرين في العنوان بوصفه عتبة نصية تهدف إلى توصيل حزمة من الحمولات الدلالية والفكرية، وهذان الأمران هما:
الدلالة التي يحملها عنوان (فأوحى لها) بوصف الوحي فعلا مرتبطا في الإجماع الفكري الديني بالرجل؛ إذ المستقر في إجماع أهل السنة أن تلقي الوحي أمر خاص بالرجال من دون النساء، وهم في هذا السبيل يتأولون ما جاء ظاهره مخالفا لذلك من الآيات من مثل:
﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ [ سورة النحل 16/68]
﴿وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان ما لها، يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها﴾ [ سورة الزلزلة 99/2-5]
﴿وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه﴾[ سورة القصص 28/7]
ومرجع الميل إلى الإقرار بأن الوحي فعل مرتبط بالرجل إلى آيات واضحة صريحة من مثل:
﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى﴾ [ سورة يوسف 12/109]
﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر﴾ [ سورة النحل 16/43] و﴿وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوي إليهم فاسألوا أهل الذكر﴾ [ سورة الأنبياء 21/7]
ب- مركزية الإعلان عن "النوع" من خلال ضمير الغائبة (ها) في العنوان!
وفيما يلي تحليل لحضور المحددات الخمسة المعتمدة في هذه القراءة لهاجس الهويات في المجموعة القصصية (فأوحى لها) لدعاء أحمد شكري:
أولا: استثمار المفاهيم الاثنية (الأخلاقية) المشتركة في معالجة الهوية الجنوسية للمرأة في السرد النسائي.
تعود فكرة احترام "العفة" لتطل علينا من جديد في عدد من قصص هذه المجموعة، ولتسهم في تشكيل السرد، وصناعة "الحبكة".
وتتجلى العناية بقيمة العفة صادرة عن منظور اجتماعي يتعلق بمؤسسة الأسرة، واحترام كل طرف فيها للآخر، وهذا المنظور تأسس تاريخيا من رواسب دينية بالأساس لكن هذا الأساس لا يبدو ظاهرا في بنية السرد في قصص هذه المجموعة، ومن أمثلة ذلك في : (قصة : عافاك الله؛ ص/8):
"إن هذه اللقطة: هى إحدى حلقات خياناته المتقطعة اعتادت زوجته رؤيته مع سكرتيراته، وبعض عميلات مكتبه حين تباغته بزيارتها...بما هى الحلقة الأخيرة التي استيقظ فيها ضميره ، وشُفي من مرض خيانته"!
ويرتبط بهذه القيمة نوع حفاية بالزواج بوصفه المؤسسة الشرعية والتاريخية الضامنة للعفة، والحافظة لها، تقول القاصة دعاء شكري في(قصة مشاعر مكبوتة، ص 18):
"مع خيوط الفجر..زينتني وألبستني لك أجمل الثياب، شهدت الطبيعة على زواجنا، فغردت البلابل، وشقشقت العصافير... زين البرق ليلتنا، ودق الرعد طبوله بحنان، هطلت الأمطار لتحتفي بنا".
ويغدو الإلحاح على فكرة "عدم الذنب" الخادش لمفهوم العفة نقطة دائمة التكرار في قصص هذه المجموعة وهو الأمر الذي وظفته القاصة فنيا وجماليا عن طريق التنفيس في الأحلام، تقول في قصة(محاكمة، ص/21):
"لم أذنب مرة واحدة منذ ربع قرن...
لكني أجرأ منك... اشتهيته، فالتهمته ولو حلما،
فهطلت أمطار الروح".
وتمتليء قصص هذه المجموعة بنصوص كاشفة تدور في فلك هذه القيمة الأخلاقية المركزية التي تشكل بعدا مهما جدا من أبعاد الهوية الجنوسية ولاسيما عندما تتعلق بهوية النوع الأنثوي، ويبدو ثمة مثلث حاكم يحيط بالمعالجة السردية لهذه القيمة الأخلاقية، يتكون من:
أ-تأكيد عدم اقتراف أي ذنب يخدش مفهوم العفة من أي طريق كان.
ب-الإلحاح على فكرة خشية الله لتحقيق أمرين في هذا الجانب هما:
الصيانة والحماية والمنع من الوقوع في الذنوب التي تنال من العفة ابتداء.
المنع من التمادي في الذنوب، والسعي إلى التوبة والتوقف وطلب التطهر.
ج-التركيز على خلق سياقات تعويضية تحقق الابتعاد عن الذنوب من جانب، وتلبي الرغبة البيولوجية والعاطفية من جانب آخر، وقد ألح السرد في قصص هذه المجموعة على استراتيجيتين ظاهرتين هما:
استراتيجية التنفيس في الأحلام والمنامات.
استراتيجية الزواج
ومن هنا يتضح لنا أن هذا المحدد الأول المتعلق بتوظيف المفاهيم الأخلاقية (الدينية) كان خطوة مهمة جدا على تأسيس أحد أهم العناصر في رحلة لا يمكن التغافل عن منزلته في أي مناقشة تتعلق بهوية النوع الأنثوي.
وهذه المركزية للعنصر البيولوجي والنفسي والعاطفي يثير إشكالات متنوعة في الإبداع السردي، وقد نجحت دعاء شكري بصورة أولية في تجاوز أزمة "الجنس" وعلاقته بمفهوم العفة واستطاعت أن توجد أطر جمالية وفنية تستوعب هذا المشكل كما رأينا في توظيف الأحلام والمنامات، وهو تقنية قديمة في تقاليد الكتابة السردية في الثقافات بوجه عام وفي الثقافة العربية بوجه خاص، وفي تقاليد الكتابة الأدبية السردية التراثية بوجه أخص.
ثانيا: توظيف النصوص الدينية / الصلبة في معالجة الهوسية الجنوسية للمرأة في السرد النسائي.
يبدو من تحليل نصوص قصص مجموعة (فأوحى لها) لدعاء شكري تطبيق استراتيجية خاصة في توظيف التكافل مع النصوص الدينية (الصلبة) المستعارة من الوحي؛ فقد وظفت ما يمكن تسميته باستراتيجية الإخفاء، بمعنى أنها كانت حريصة على عدم توظيف النصوص الدينية الصلبة بكثافة ملحوظة، والاكتفاء في هذا السياق بأمرين هما:
أ-التكافل مع أي الكتاب العزيز في العتبة النصية المركزية المتمثلة في العنوان، في محاولته للتثاقف حول ما يمثل مركزية الرجل في الثقافة العربية من وجهة نظر جدلية حول الهوية الجنوسية الأنثوية.
ب-التكافل مع آيات الكتاب في حدود دنيا للغاية.
ويبدو أن هذه الاستراتيجية كان الهدف من وراء تجنب الاتهام بالوعظية أو المباشرة في معالجة تجليات الهوية الجنوسية الأنثوية، ولاسيما التجليات البيولوجية المتعلقة بممارسة الجنس.
ومن أمثلة الحضور للنصوص الدينية، قول القاصة في قصة (روزيتا، ص/39):
"كعادته خرج من معمله إلى سطح فيلته، فجرا، ليناجي الله متأملا ملكوته ، داعيا: -(اللهم زدني علما نافعا)
انبسطت يده للدعاء، فوقعت زهرة تبدو ذابلة قليلا، عليها رذاذ قطرات ندى يضيء ويطفيء تنبض ببطء بين الفوت والموت، أسرع بتحليلها فوجد المادة التي بها ستكتمل تركيبته، فقال منشرح الصدر:-(سبحانه وحده يعلم عجائب كونه الخفية، ولا يحيط أحد بشيء من علمه! (إلا بما شاء)"
وتحليل هذا النص يكشف عن وعي بالتكافل مع جزء من نص آية الكرسي [ سورة البقرة 2/255] الذي يقول فيها المولى سبحانه ﴿ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء﴾ من جانب، وبالتكافل مع الحديث النبوي الصحيح الذي أخرجه الترمذي في سننه في كتاب الدعوات (رقم 3559) فضلا عن كون الدعاء(اللهم زدني علما) يتكافل مع قول الله تعالى ﴿وقل رب زدني علما﴾ [ سورة طه 20/114] ، ولاشك أن التشكيل الطباعي المائز كشف عن وعي ظاهر بطبيعة هذه النصوص والحقيقة أن هذا التكافل جاء في مستوى شائع مألوف من الأحاديث، مما يشير إلى أنه غير مشتبك بصورة ما مع مشكل الهوية الجنوسية الأنثوية من قريب أو بعيد.
ومن أمثلة حضور النصوص الدينية (الصلبة) ما أوردته الكاتبة في قصة (فأوحى لها)، ص /48)؛ حيث تقول:
"توضأ القلب بدموع الاستغفار، فهيأ الله لها العزلة بأنس ذكره، هداها لقصص قرآنه الواعظة، فرد لها، إدراكها ببعض جهلته، عندما اتعظت من قصة ... الإنسان الذي آتاه الله آياته ثم انسلخ من الآيات...
حينها أدركت أنها كذلك، ولم يكفها بل أصبحت أفكارها الفذة من رحم الشيطان، فارتجف القلب رجفة بين الفوت والموت، بين الخوف رهبة ومن الفرح لردها عن جهلها فأبصرت وعاد وجهها مشرقا كأشعة الشمس الحانية، ورددت : أعوذ بك ربي أن أكون ممن بدد نعمك لوجه الدنيا، وممن أنزلت عليهم غضبك، وشهدت عليهم آياتك ﴿واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين﴾" [ سورة الأعراف 175].
وعلى الرغم من تكافل القصة المركزية التي تحمل المجموعة عنوانها فإن التوظيف جاء في سياق الاتعاظ بنعم الله وآياته، وصحيح أن التكافل مع الآية جاء في سياق الاستغفار مما يعني حضور الذنوب بصورة ضمنية ولكن مع حرص شديد على ألا تتعانق مع مشكل الهوية الجنوسية الأنثوية في تجليها "البيولوجي/ الجنسي" بدليل اختيار آية كريمة تخاطب :الإنسان، بوصفه الكلي الذي ينضوي تحته النوعان: الذكر والأنثى معا محاطا بمجموعة قرائن تفتح المجال أمام كل أشكال الانحراف من الذنب إلى الكفر، مما خفف من حدة ارتباط الآية الكريمة بسياق الانحراف المتعين في الانحراف الأخلاقي المنافي لقيم العفة والحصانة!
ثالثا: توظيف سيميائية أسماء الأعلام (الشخوص) في خدمة قضية الهوية الجنوسية للمرأة.
من العناصر المهمة التي يفطن إليها كثير من كتاب القصة توظيف أسماء الشخوص لتتحرك بحمولات دلالية تسهم في تشكيل السرد.
وكان لغلبة هاجس الانشغال بالهوية بالجنوسية للمرأة والوعي بتجلياتها ولاسيما المتعلقة بخصائص المرأة البيولوجية وما يرتبط بها جنسيا وعاطفيا وإرادة الإعلان عن الوعي بحماية الذات الأنثوية من شرك الغواية بسبب هذه الخصائص، جاء توظيف أسماء الشخوص يحمل دلالات داعمة لهذا المنحى الأخلاقي بالأساس.
ومن أمثلة الأسماء ذات الدلالات : "رهف" في (قصة عجائب القلب الروعة)، ص/14)، ولاسيما والسياق المطيف يدور حول الهدوء والحساسية الجمالية و"عابد" في (قصة ذنب الحب/ ص 23) الذي يطيف به سياق الخشية من ربه، وخوفه من ظلم زوجته، وسعيه للتوبة.
و"حسناء" في قصة (ذنب الحب،ص/24) وهو اسم دال على واحد من أهم العناصر المشكلة لطبيعة الهوية الجنوسية للمرأة التي تعتمد عليها في حركتها في الوجود الحي، وفي تكوين شبكة علاقاتها من جانب، ورؤية نفسها لنفسها من جانب آخر.
والاستمرار في التحليل السيميائي لأسماء الشخوص في قصص مجموعة (فأوحى لها) لدعاء شكري يكشف عن حضور التأثير الفاعل للانشغال بهوية المرأة في اختيار الأسماء بوصفها علامات تتحرك بحمولات دلالية وفكرية، ومن الأسماء ذات الدلالة الوثيقة بعناصر الهوية الجنوسية للمرأة بهويتها الأنثوية المحتاجة دائما إلى نمط من الحماية والدفاع، تقول الكاتبة : "أنجدني يا د.فارس"!
والاسم العلم: "عمرو" بما يطيف به من خصائص التميز واللياقة والحسن الاجتماعي في العرف المعاصر كما في (قصة الحسناء، ص/46).والاسم العلم "نادية" لشخصية الأم في قصة (مذكرات برئية، ص/51) وهو اسم يشير إلى نمط من الاحتياجات الأصيلة للمرأة في رحلة تشكيل هويتها الأنثوية التي تحتاج إلى العطف والرقة والرحمة والرفق واسم : "المعلم طاهر" في سياق الزواج وهو كاف جدا في الدلالة على الهاجس المركزي في المجموعة.
إن توظيف دعاء شكري لأسماء الشخوص جاء واحدا من أكثر المحددات تأثير في تشكيل السرد في مجموعتها القصصية؛ (فأوحي لها)، وهو ما تجلى في تحقيق حزمة من الوظائف الموضوعية (الفكرية) والجمالية (الفنية) بصورة ممتازة.
لقد استطاعت الكاتبة استثمار هذا المحدد، فأسهم في منح الشخوص أبعاد شكلت جزءا من عمقها الداخلي، وأقنعت إلى حد كبير حركتها في الأحداث والمواقف.
كما استطاعت الكاتبة أن تمنحنا بهذا الاستثمار لمحدد أسماء الشخوص الاقتناع بإمكان تحقيق حلم تشكل هوية المرأة من دون استغلال للمكون البيولوجي أو بعبارة أدق يتجاوز فخ العنصر البيولوجي الأنثوي المائز والطاغي في الوقت نفسه ، وقد كان اسم "رؤى" في قصة (الكا، ص 58-60) واسم " حياة" في قصة ( Diva) ص 67-69) من أكثر المحددات في تشكيل السرد في قصص هذه المجموعة توجيها الدلالة الكبرى التي تسعى لمجموعة إلى ترسيخها حضورها لدى المتلقي، ولاسيما أن واحدا من أكثر الهواجس استعلانا وظهورا في تكوين هوية المرأة تكمن الخوف من المستقبل بصورة أساسية، وحاجتها الدائمة إلى الشعور بالأمان.
رابعا: توظيف المعجم في تشكيل الهوية الجنوسية للمرأة
يكشف تحليل المعجم في قصص هذه المجموعة عن ظهور كثيف لعدة حقول دلالية، يبرز في صدارتها ما يلي:
أ-حقل الألفاظ الدينية شديدة الارتباط بتكوين المرأة.
ب- حقل الألفاظ العاطفية، وهو بدوره شديد الارتباط بتكوين المرأة.
ج-حقل الألفاظ الاجتماعية الخاص بالمرأة .
د-حقل الألفاظ الخاصة بتكوين المرأة البيولوجي.
هـ- حقل الألفاظ الخاصة بزينة المرأة.
وفيما يلي بيان للكلمات المفاتيح في توزيعها على هذه الحقول الدلالية:
منذ الوهلة الأولى؛ أي من العنوان حرصت دعاء شكري على استدعاء المعجم الشعري في استثمار اللفظ المركزي الديني الوحي في صيغته الفعلية، وهو توظيف له دوره المهم في تشكيل بنية السرد في قصص مجموعتها، وحول هذه النقطة التي فجرها العنوان لأغراض متشابكة استثمرت القاصة زمرة من ألفاظ حقل الدين من مثل: (الضمير، والحرام، والدعاء، ورحمة رب السماء، العقوق، والالتزام، والجامع، والشيخ، والذنب المغفور، والإيمان، والصبر، والحلال، والنقاب).
والملمح الذي يتبدى من خلف توظيف ألفاظ هذا المعجم- كما نرى- ظاهر في قضية العفة والانحراف بعيدا عنها من جانب، وهاجس ما يتعلق بالجسد الأنثوي من خصوصيات الأحكام الدينية التي ليست للرجال من جانب آخر.
(ب)أما حقل الألفاظ العاطفية فيكاد أن يكون هو الأعلى كثافة بين كل حقول الألفاظ المستثمرة في بناء السرد في هذه المجموعة وهى جميعا تدور في فلك الجسد الأنثوي بالأساس، وهذه الألفاظ تتمثل في : (القبلة، الحنان، الأمان الأنثوي، الحضن، والعشق، والسعادة، والحبيب، والدلال، والدفء الجسدي، والكوخ الصغير، المشاعر، والقلب).
والحقيقة أن انتشار المعجم العاطفي حقق للسرد في قصص هذه المجموعة حزمة من الخصائص الفنية على وجه التعيين ظهر بسببها متماسكا، ومقنعا وقريبا من الشاعرية، ووسم الشخوص قبولا؛ لأنها ظهرت متمتعة باتساق نفسي وعقلي بصورة ممتازة.
ودارت حركة ألفاظ هذا الحقل الدلالي حول إقناع المتلقي بأزمة هوية المرأة التي تتفجر بسبب من طبيعتها : الجسدية أولا، والنفسية ثانيا، والاجتماعية ثالثا.
(ج)وتركز حقل الألفاظ الاجتماعية حول قضية الزواج بوصفه مؤسسة اجتماعية ذات وظائف مركبة، فهى لتأسيسها الديني تحمي الضمير من العذاب والتأنيب فيما يتعلق بتلبية الرغبات الجنسية التي تبدو "حلالا"8بكل ما تعنيه الكلمة وبكل ما تتسع له الكلمة في إطلاقها على الزوج والممارسات الحاصلة في ظله من جانب آخر ، وبكل الهوامش الدلالية المريحة اجتماعيا ونفسيا كذلك كما تركزت ألفاظ هذا الحقل حول المخاطر الاجتماعية المتيقنة من آثار الانفلات الجسدي للمرأة بعيدا عن مؤسسة الزواج وقد تعالى ظهور الألفاظ التالية: (الزوجة، والخيانة، والعقم، والخطيئة، والعوانس، والعريس والعروس، والمأذون، والجنين، والتبني، والحسن والأدب، والخرس الزوجي).
ومثلما استجاب المعجم في تجلي الحقلين السابقين : الديني والعاطفي وأبدي مرونته في تشكيل السرد في قصص هذه المجموعة لقضية هوية المرأة بدا المعجم الاجتماعي هو الآخر بالغ المرونة في الاستجابة لمطالب تحقيق المرأة في قصص المجموعة لهويتها الجنوسية الخاصة بوصفها نوعا مائزا من المنظور الاجتماعي الذي تأسس على الديني الحضاري بامتياز.
(د)أما حقل الألفاظ البيولوجية للمرأة والرجل فقد بدا ممثلا بكثافة عالية جدا، بصورة تجعل من هاجس الجسدي/ الجنسي مسألة جوهرية في المثاقفة حول "هوية المرأة" في الكتابة الأنثوية من خلال مجموعة ( فأوحى لها)
ومن الكلمات المفاتيح الفاشية في بنية السرد في هذه المجموعة ما يلي:
(عريها التام، والجميلات، وغيمات الاحتياج، وشفتي، والجسد الفائر، الأنوثة، والغيزة، وبطني، وملبن(في سياق وصف البنات)، وفاتنة، ومتبرجة، والجسد(سياق العبث والخيانة والعهر)؛" بريقها جسدها البض، ص/55"، النضارة (في سياق توصيف الجسد الأنثوي)؛ " لم يفر من طيفها الذي يراوده دائما بوجهها النضر، وحركة جسدها المرن خلف ثوبها أثناء تنظيفها المنزل").
ولم يقف الأمر في توظيف المعجم البيولوجي عند وصف إحدى مكونات الهوية الجنوسية للمرأة، وهو العنصر المرتبط بتميز جسدها، وهو التميز الذي ترسخ ذهنيا بفعل إلحاح المصادر الدينية والاجتماعية والثقافية مدعومة بتفسير بيولوجي طبيعي وإنما تجاوزه إلى توظيف هذا المعجم للرجل – على الرغم من أنه طبيعي وإنما تجاوزه إلى توظيف هذا المعجم للرجل على الرغم من أنه ليس مشغلة قضية المجموعة القصصية الفكرية والجمالية – وذلك لدعم التميز البيولوجي للمرأة، وهو ما ظهر في سياق افتتان المرأة/ الأنثى بالرجل / الذكر، وهنا تظهر مفردات: رجولة الجسد، واليفاعة، والنضارة، والوسامة، ومن النصوص التي تزاحمت فيها هذه المفردات ما جاء في قصة (انبهار، ص / 82):
"بهرها الأول برجولة جسده اليافع، وملامحه الوقورة النضرة" والحقيقة أن تحليل قصص هذه المجموعة تكشف عن نوع بالغ الظهور من الدوران حول احتياجات الجسد، ورغباته الجسدية/ الجنسية، أسهمت في تشكيل السرد من طريق استثمار معجم بيولوجي يدور حول الجسد بأعضائه التي تمثل المدخل للشهوة والرغية من الشفاه والبطن وغيرهما، بالإضافة إلى الحرص على الألفاظ الدائرة في فلك مرونة الجسد، وليونته، ونعومته، وبضاضته، وفتنته، وما شئت من مثل هذه الكلمات.
(هـ) أما حقل ألفاظ زينة المرأة فيأتي مرتفع الكثافة غير مفصول عن معجم ألفاظ جسد المرأة، وفي هذا المجال تظهر كلمات من مثل: (الحسن، والعطور، وعبير الزهور في العلاقة الحميمية بين الزوجين).
خامسا: استثمار العلامات/ الأيقونات في دعم هوية المرأة.
ويبدو هذا المحدد الخاص بتوظيف الأيقونات في دعم المشكلات التي التي أثارتها قضية المجموعة القصصية (فأوحى لها) بدءا من مشكل الاحتياجات الجسدية والرغبات الغريزية، وما يثيره هذا المشكل من ظهور الأفكار الدينية من الذنب والحرام والنوبة والبراءة والخشية لله تعالى، والأفكار الاجتماعية من الزواج والعنوسة، والخيانة الزوجية، والعقوق، والخوف من العار.
وقد توزعت الأيقونات بوصفها علامات على صور في الواقع على ثلاثة أنواع تحركت لخدمة قضية المجموعة وتجلياتها الدينية والاجتماعية، كما يلي :
الأيقونات الداعمة لهوية المرأة البيولوجية /الجسدية؛ ومن أكثرها ظهورا في السرد:
- الملابس الخفيفة، وغرف النوم، والملبن(في سياق وصف نعومة جسد المرأة ، ومرونته)، والنقاب وعلاقته الضمنية بالجمال والأنوثة، والمطر (في سياق العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة)، والسهراية ( وهى مصباح صغير في الغرف، يصدر عنه ضوء خافت يسهم في خلق مناخ شاعري)
(ب)الأيقونات الدينية الداعمة ومقاومة الانحراف الجسدي، ومنها:
-الجامع، ومذياع الجامع، والمأذون، والبراءة، وأذان الفجر.
(ج)الأيقونات الاجتماعية الداعمة لهوية المرأة البيولوجية / الجسدية:
الفرح، والزغاريد، والسهراية(ذلك المصباح الصغير ذي الضوء الخافت الذي يستعمل في الغرف)
إن هذه الأيقونات، بوصفها علامات غير لغوية تتحرك بأنواعها الثلاثة في مجموعة(فأوحى لها) بحمولات دلالية تهدف إلى خدمة أمرين ظاهرين جدا هما:
أ-القضية الفكرية التي تدور حول هوية المرأة المتمركزة حول بيولوجيا الجسد، وتجلياتها الغريزية والجنسية.
ب-الأبعاد الجمالية/ الفنية التي تمنح المتلقي متعة جمالية وبهجة عقلية، وفرح نفسي.