الدكتورة شيرين إسماعيل ثابت تكتب: والله ما أكرمهن إلا كریم.. ولا أهانهن إلا لئیم
هل أنت غير كفء؟.. إذًا أنت عنيف. هل أنت غير متخصص؟.. إذًا أنت عنيف.. هل أنت غير مستقر في العلاقات؟.. إذًا أنت عنيف. تحيَّرتُ من ظاهرة مشينة بين الطبقة المتعلمة المثقفة المستقرة اقتصاديًّا، ألا وهي ظاهرة العنف الأسري، لم نكن نصدق أنه من الممكن أن يحدث داخل بيت مصري راق، مشاكسات عنيفة بين أفراد الأسرة الواحدة.
أين الجيل الذي تربَّى على احترام “الكبير”؟ جيلٌ تعلَّم أن “اللي مالوش كبير يشتريله كبير”، جيل يترك الكرسي من أجل الكبير الذي لا يعرفه داخل المترو أو الأتوبيس، جيل هاديء نفسيًّا ويشعر بالأمان لأن الكبير موجود يعطف عليه.
وتعاني معظم المجتمعات من تفشي ظاهرة العنف الأسري التي تهدّد كيان الأسرة وتركيبها، وبالتالي توقف كامل للتنمية المجتمعية ونهوض تطوير المجتمع، حتى نصل لوطن متمكن اقتصاديًّا وسياسيًّا. في مؤتمرات التمكين السياسي والاقتصادي للمرأة العربية، اقتدينا بكل ما نصَّته الديانات السماوية، في معاملة المرأة، لنكتشف أن المجتمع الذكوري فرض نفسه في المجتمعات الراقية بعنف وشراسة، في حين أن المرأة في صعيد مصر ترأس العيلة وتقود أسرتها بكل أفرادها كبارا أو أحفادا.
إن المرأة في الريف وفي الصعيد تلقَّب بــ “الكبيرة” من رجال الأسرة الواحدة، مما يؤدي إلى استقرار نفسي واقتصادي للأسرة، وبالتالي للمجتمع، اقتداءً بالمصطفى، صلى الله علية وسلم، الذي قال: (ليس منَّا من لم يرحم صغيرنا، ولم يعرف شرف كبيرنا)، وفي حديث آخر: (من لا يرحم لا يُرحم).
ينقسم العنف الأسري إلى قسمين: العنف اللفظي، كالشتم والإهانة والضغط النفسي، والقسم الثاني العنف البدني والتحرش البدني، والضرب، ويتضح أن ظاهرة العنف تعكس في طياتها الانحطاط الأخلاقي والفقر الاقتصادي، وضعف الحجة والبرهان، لأن الإنسان السويّ خلقيا والقوي فكريا، لا يحتاج إلى ممارسة العنف، بل الحجة والبرهان.
في العديد من حالات العنف تصرفات مختلفة يقتصر بعضها على إطلاق كلمات نابية جارحة تجاه أخت أو زوجة، بينما تتخطى بعض الحالات الخطوط الحمراء لتصل إلى التعدّي بالضرب والإيذاء الجسدي الذي قد تعالج أضراره الجسدية في أيام معدودة، لكن أعراضها النفسية والمعنوية تبقى مصاحبة للمرأة طوال حياتها، مما يؤدي لفقد التوازن الأسري والغضب الكامن داخل امرأة منكسرة الذي لا ينتهي.
فتظهر النتيجة في كل ما تنجزه المرأة في حياتها في تربية أولادها أو الأداء في العمل، ويكبر الأطفال بعيوب نفسية وإعوجاج أخلاقي وفساد مجتمعي في أداء العمل.
ونجد أن دولا عربية مثل الإمارات والسعودية والكويت وقطر، قد قامت بتقويم السلوك الذكوري والحد من تهور الانفعال ضد المرأة بقوانين حادة وواضحة، فقط من أجل الحفاظ على مجتمع سوي متماسك و”الاستدامة” في التطور السياسي والاقتصادي ونهضة البلاد.
وتظل مقولة الشاعر حافظ بك إبراهيم: “الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيبا الأعراق”، إن توعية المجتمعات التي تعي قيمة المرأة هي مجتمعات غنية ومتقدمة راقية، إنها نصف المجتمع.
إنها الابنة والأخت والأم والجدة، إنها الـ “كابييرة” إنها كل المجتمع يا سادة… وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي).