الأحد 24 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

التجربة الصينية

القاهرة 24
الجمعة 08/مايو/2020 - 07:52 م

بعد اقامتي مدة طويلة في الصين، كان الكثيرون من معارفي يسألونني كيف تقدمت الصين؟ أن تقدم الصين له أسباب عديدة أهمها ، انها استطاعت ان تجعل الانفجار السكاني الذي تعاني منه الكثير من الدول ميزة إيجابية، وتحولت نقمة الزيادة السكانية لنعمة وذلك بخلق وظائف وفرص عمل جعلت الزيادة السكانية نعمة ودافع قوي للتقدم، كما اهتمت بالتعليم فبعد ان الثورة الثقافية والتي حاربت التعليم لمدة عشر سنوات وبعد أن كان الشعب الصيني كله لا يستطيع ان يتكلم إلا اللغة الصينية حتى ان بعضهم لم يكن يعرف اللغة الصينية مكتفيًا بلغته الإقليمية -الصين بها عدة لغات إقليمية- أصبحت الآن كل الأجيال الحديثة تتكلم على الأقل لغة واحدة وأصبحت الإنجليزية شائعة.

 

كما تمكنت الصين من تغيير الطبيعة الديموغرافية للشعب بين سكان المدن وسكان الريف، وتقليل نسبة الفلاحين لصالح نسبة العمال ، فبعد ان كانت الصين دولة زراعية يمثل الفلاحين فيها اكثر من ٨٥٪ من السكان أصبحت نسبة الفلاحين حوالي ٥٢٪ وهناك خطط للوصول بهذه النسبة الي ٤٥٪، هذا في الوقت الذي اهتمت فيه بالميكنة الزراعية وتطوير العمل الزراعي بالشكل الذي زاد معه الإنتاج الزراعي مع تقليل عدد المزارعين فأصبحت الصين اكبر مورد للخضراوات والمنتجات الزراعية لمعظم دول شرق أسيا بما فيها اليابان، وقد اهتمت الصين بتطوير الصناعة والاستفادة من التكنولوجيا الحديثة مع رفع جودة المنتجات والاهتمام بالبحث العلمي، في نفس الوقت اهتمت بالبنية التحتية من طرق وصرف وتعامل مع مشاكل المواصلات والنفايات وغيرها من مشكلات التجمعات السكنية ، وقد منحت المناطق والمدن سلطات اوسع في الإدارة الذاتية ، واعتماد الخطط الخمسية كأساس للمحاسبة الادارية ، مع خلق المنافسات بينهم على مستوى تنفيذ الخطط ومستوى الناتج المحلي ، وقد كانت البداية لكل ذلك في مصارحة النفس، ومواجهة أنفسهم بعيوبهم ومساوئهم قبل حسناتهم، والقصة الشهيرة أن الصين قبل ان تكون دولة عالم أول، وقبل أن تكون ثاني أقوى اقتصاد عالمي كانت حتى زمن قريب دولة عالم ثالث تستحق المساعدات من الأمم المتحدة ومنظماتها مثل اليونسكو واليونيسيف وغيرها.

 

عندهم كاتب اسمه بو يانج BO YANG، الأخ بو يانج ده كتب كتاب سماه (الصيني القبيح وأزمة الثقافة الصينية) The Ugly Chinese and the crisis of Chinese culture، أي والله سماه كده الصيني القبيح، وطبعًا ماتوصاش في نقد الشخصية الصينية لدرجة السب الصريح لبعض العادات، واتهم الأخلاق الصينية بأنها أخلاق العبيد، وطبعًا كان متوقع انهم يعدموه أو على الأقل يسجنوه مدى الحياة ، ولكن اللي حصل عكس كده تمامًا ، الزعيم الصيني العظيم دين شياو بنج قرر تدريس هذا الكتاب في كل المراحل التعليمية وقال لن تتقدم الصين الا ان تواجه عيوبها علشان تصلحها وبعد أقل من عشرين سنة من تدريس هذا الكتاب أصبحت الصين المنافس الاقتصادي الأكبر واللاعب الرئيسي في المجتمع الدولي. والميزة في موضوع كشف العيوب ان الحل بسيط جدًا وهو الإقلاع عن العيوب وعدم ممارستها والحل يبدوا نظريًا سهل ، ولكن صعوبة هذا الحل انه يجب ان يعيد ترتيب الشخصية المجتمعية ومخالفة الضمير الجمعي للشعب وده طبعًا لن يتم الا بوجود إعلام قوي وصادق يشارك في هذه الحملة التصحيحية.

 

الرائع في هذا الموضوع انهم باكتشافهم عيوبهم لم يقوموا بهدم البناء ورفض كل مقومات الشخصية الصينية ولكنهم فقط تنازلوا عن هذه العيوب وتم تنقية الشخصية الصينية منها، مع بقاء الكثير من مميزات الشخصية الصينية والتي منها ذوبان الفرد في المجتمع واعلاء قيمة التكافل، الالتزام الأسري، تصديق الحكومة ومساعدة الإدارة، حتى اصبحوا شعب مميز يحب العمل ويقدس المجتمع ويسهل قيادته.

 

أن المهتم بالشأن الصيني والمتابع له لا تخطئ عينه إطلاقًا ما ذكرناه في هذا المقال ولكن التفاصيل تحتاج إلي مجلدات، وقد نجد الوقت للرجوع مرةً ومرات للصين، لكي نتعلم من تجربتها.

تابع مواقعنا