الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

وصفولي الصبر!

القاهرة 24
الجمعة 08/مايو/2020 - 06:59 م

فى آخر كام يوم فى شهر رمضان من 6 سنين كنت فى مول “هايبر وان” فى 6 أكتوبر.. الطبيعى بتاع “هايبر” إنه زحمة.. فمابالك كمان لما تكون زحمة من بتوع دخلة العيد اللى بعد كام يوم.. بس رغم زحمة المكان؛ كان لازم هيشد عينى وعين أى حد هناك أسرة بسيطة مكونة من 4 أنفار.. زوج وزوجته ومعاهم طفلين.. الصغير لسه رضيع شايلاه الزوجة، والتانى أبوه ماسك إيده عنده تقريبًا 3 سنين.. ليه هيشدوا نظرك وهيخطفوا عينك؟.. لكذا سبب.. عصبية الراجل مع وشه المكشر وصوته المجعر وخناقه مع دبان وشه اللى كان باين فى طريقة سحبته لإبنه والشخط فيه وفى أمه.. (ما تتنيل تمد يا زفت ، ماتخلصى إنتى كمان فى يومك المهبب على دماغك ودماغ أهلك!).. الست كمان كانت زيها زى ستات بيوت كتير تحسها مغلوبة على أمرها.. الملامح الطيبة الهادية.. عينيها فى الأرض عايزة اليوم يعدى على خير وتشترى اللى عايزاه هى وعيالها وبيتها.. تقدر تفهم بسهولة إنها ست صابرة.. تسمع كلامه كإنها متعودة عليه وتحاول تمتص غضب جوزها غير المبرر وتعادل الكفة بخبطة على صدرها وهزت راسها بالموافقها كإنها بتحايله ولسان حالها بيقول له: (عشان خاطرى خلاص بقى).. إتصادفنا عند قسم الألبان وبعدها إفترقنا.. بعد دقايق سمعت أنا وكل الناس صوت زعيق من ناحية الكاشير.. بدافع الفضول المصرى اللذيذ اللى للأسف لا بيحل ولا بيربط؛ رحت ومعايا ناس كتير ناحية مصدر الصوت عشان نشوف فيه إيه.. أو بمعنى أدق عشان نتفرج!.. كان نفس الراجل واقف بيجعر وبيزعق للست وهى بتبكى بيقول: (عليا الطلاق ما هشترى حاجة تانى، إحنا متفقين ومش هتزنقينى، إنتى اللى مدلعاهم، عليا الحرام منك ما جايب عشان تبطلى سهتنة الحريم بتاعتك دى).. الست بتبكى بُحرقة وعينها فى الأرض وبتقول كلام مش مسموع.. تحاول كواحد واقف شايف المنظر إنك تربط التفاصيل الصغيرة مع بعض عشان تفهم فين أساس المشكلة اللى حصلت بينهم فتبدأ تستوعب إن فيه حد من العيال شبط فى حاجة مثلًا أو الست نفسها طلبت حاجة فالراجل إعتبر إن دى كارثة تستحق الشو اللى هو عامله!.. بس فين الموضوع والمشكلة؟.. ما تقول لأ وخلاص!.. المصيبة إن الراجل فضل مستمر فى الشخط والزعيق وبدأ يشتم.. يزعق أكتر.. الناس تتلم أكتر.. الست تبكى أكتر وأكتر وتقول بصوت مخنوق من الدموع بيبدأ يظهر بالعافية: ( كفاية كفاية).. العيال تبكى لبُكا أمهم.. فالراجل اللى كان واضح إنه فاقد أعصابه ومش طبيعى يصرخ: (بلا كفاية بلا زفت إنتى قرفتينى وطهقتينى).. الست تتلفت حواليها وتكتشف إن كل الناس بتبص عليهم ووشها اللى مليان دموع يحمّر من الخجل والكسوف وتقول: (الناس حوالينا خلاص والنبى كفاية).. وهو أبدًا ومكمل!.. حتى لما حاول واحد من العمال اللى شغالين فى المكان إنه يدخل يهدى الأمور شوية؛ الراجل زقه وشتمه هو كمان وطبعًا قال الكليشيه الطبيعى بتاع المواقف اللى زى دى: (مراتى وأنا حر محدش له دعوة واللى هيقرب همسح بكرامة اللى خلفّوه الأرض).. رد فعله خلّى حتى اللى كانوا ناويين يتدخلوا يقولوا بينهم وبين نفسهم إحنا مالنا دع الخلق للخالق.. الموقف كله كان بيتكرر زى ما هو والكلام بيتعاد وفى وسط ما هو بيزعق الست بالتدريج وكأنها منومة مغناطيسيًا بطلت عياط بالتدريج وبدأت تقول بشكل متتابع وعينها ثابتة ومتركزة فى الفراغ: (كفاية كفاية كفاية).. نبرتها بقت أعلى (كفاية كفاية كفاية).. فجأة صرخت مرة واحدة: (كفاااااااااية).. وهى بتقولها رفعت إيديها ورزعت جوزها بالقلم!.. جوزها تنح.. الناس سكتت.. المكان كله بقى هُس هُس ولو كنت رميت فى نفس اللحظة إبرة على الأرض كنت هتسمع صوتها.. الصوت الوحيد اللى كان مستمر صوت بكاء الطفل الصغير!.. الكل خد لحظة سكون وأول حد فاق وإتحرك كان هو جوزها لما إكتشف إن القلم هز كيانه كله مش وشه بس.. هجم عليها عايز يضربها بس وقتها كل الناس جاتلهم كريزة شجاعة وإتلموا حواليه وكتفوا حركته وهو فضل يحاول يتخلص منهم عشان يوصل لها وماكنش قادر غير إنه يشتمها.. بس هى كان واضح إنها مش سامعة ولا كلمة من اللى هو بيقولها ولا كان باين عليها إنها خايفة أصلًا إنه يفلت منهم.. كإنها فى وادى تانى خالص؛ عدلت العيل الصغير على كتفها اليمين وسحبت الواد الكبير بإيدها الشمال وإتحركت ناحية باب الخروج بمنتهى الثبات والقوة، ورغم إن حجم الست كان تقريبًا نصف حجم جوزها وملامحها يستحيل تخليك تتوقع إن ده يحصل منها بس اللى يشوفها فى اللحظة دى كان هيشوفهم معكوسين.. هى جبل وهو ورق.

 

الكاتبة الراحلة “لويز هاى” كتبت فى واحد من كتبها قصة ملهمة.. القصة عن المواطنة “كارمن هانسن” اللى هي وجوزها “هارفى” اتجوزوا عن قصة حب عنيفة وقوية.. “كارول” ولأن ثقتها فيه كانت بدون حدود سابت له قيادة مركب الزوجية بالكامل.. كل القرارت المصيرية له.. تخطيط كل الأمور والتفكير فيها له.. هو اللى بيحدد وبيرسم شكل كل حاجة وهى بتنفذ.. اعتمدت عليه فى كل حاجة.. هو اللى بيشتغل بالتالى هو اللى بيصرف بالتالى برضه هو اللى بيقول إيه يتصرف فين وإزاى وليه.. هى كانت شايفة إن ده مش ضعف شخصية منها قد ما هو حب.. حتى الأمنية الوحيدة اللى كانت بتحلم بيها من وهى لسه عيلة بضفيرة إنها لما تخلف تسمى بنتها “لين” على إسم جدتها اللى كانت بتحبها؛ “هارفى” رفضها وقرر يسميها “سوزان”!.. الفكرة إنك لما بتسيب الحبل على الغارب ولما بتتنازل عن حقوقك ده بيعمل حاجتين أولًا بيمحى شخصيتك وبيخليك تعيش شبح و ظل لـ شخص تانى.. ثانياً بيقلل من قيمتك الفعلية عند اللى قدامك.. يوم عن يوم كانت المهانة بتزيد ومعاملة “هارفى” الرخمة بتزيد لـ “كارمن”.. لحد ما أكتشفت خيانته ليها مع صديقتها ولما قررت تواجهه كان هو من البجاحة إنه يعترف عادى جدًا.. خرجت من البيت بعد ما لمت هدومها وهدوم بنتها وقررت ترجع بيت أبوها.. عدت جابت بنتها من المدرسة وخدتها معاها وهى سايقة فى الطريق سرحانة ومسهمة بنتها سألتها: ما بكِ يا أمى ؟.. ردت وهى بتعيط: والدك كسر قلبى.. قالت الجملة وكملت سواقة وعياط وهى بتفكر فى اللى ضاع من عمرها و فى بكره هيكون فيه إيه.. طب هى كده الحياة انتهت ؟.. هتعيش بدونه إزاى ؟.. طب هتتصرف إزاى وهتصرف منين ؟.. البنت الصغيرة احترمت رغبة أمها فى عدم الكلام وانشغلت بحاجة كده كانت بتلعب بيها فى إيديها وبعد ما خلصتها ناولتها لـ “كارمن” وهى بتقول لها : هذا بدلًا من الذى كسره أبى .. “كارمن” مسكت اللى البنت إدتهولها لقته قلب صغير معمول من الحديد الرفيع.. البنت خلعت التوكة بتاعت شعرها وشالت القماش اللى محاوطها وخرجّت الحديد اللى ماسكها وشكلته على شكل قلب.. باستها فى راسها وكملت سواقة وهى بتحمد ربنا إن عندها بنت زى “سوزان” بس برضه فضل جواها نغزة الجرح الى سببه ليها “هارفى”.. وصلت بيت أبوها وفتحته وبدأت تروقه.. والد “كارمن” كان هو بطل حياتها ومثلها الأعلى الأول عشان كده بعد خيانة جوزها ليها كانت حاسة إنها بقت وحيدة فى الدنيا وبدون ضهر وزاد من إحساسها ده لما لقت نفسها موجودة فى بيتها القديم اللى اتربت فيه وأبوها اللى كانت متعودة تسأله عن أى ورطة بتقع فيها مش موجود.. قررت تبعت جواب لـ أبوها المتوفى .. جابت قلم وورقة وكتبت فيهم ( أفتقدك ولا أدرى كيف أتصرف.. أحبك).. علقت الورقة فى بالونة هيليوم كبيرة وطيرتها وقعدت تراقبها وهى بتبعد لفوق وبتخبط يمين وشمال فى الأشجار اللى فى الجنينة لحد ما أختفت.. بعد شهرين لقت جواب مبعوت على بريد المنزل بتاعها من بلد بتبعد 600 ميل عن البلد اللى هى فيها مكتوب فيه: (عزيزتى كارمن.. إن خطابك إلى والدك قد وصل إليه وأرجو أن تدركى أن الأشياء المادية لا يمكن الإحتفاظ بها فى السماء لذا فقد أضطروا لإعادة البالون إلي الأرض فهم لا يحتفظون سوى بالأفكار والحب.. والدك يخبرك أن تقوى قلبك على كل ما يواجهك وأن لا تدعى طيبتك تكن هى مصدر ضعفك بل قوتك.. توقيع المخلص “بوب أندرسون” أب أيضًا).. رسالة غريبة فى توقيت أغرب كانت هى والقلب الحديدى الصغير هدية بنتها هما أساس قرار “كارمن” بتغيير نمط حياتها كليًا وإنها تبدأ من جديد وماتقفش على أى مخلوق غير اللى هى تفرق معاهم بس.. شافت شغل وبدأت تحبى فى الحياة العملية وتعوض اللى فاتها وتعتمد على نفسها بشكل كامل.. شوية بـ شوية وبعدها بكذا شهر تعبت وراحت الصيدلية عشان تشترى دواء فشافت بالصدفة جوزها كان هو كمان بيجيب حاجة من هناك.. زمان كانت متعودة لما تتعب ولإنها ماكنتش بتعرف تتحرك من غيره كان هو اللى بياخدها لحد الدكتور يكشف عليها.. فأول ما شافها مد إيده ومسكها من كتفها وقال لها: (كارمن تبدين متعبة ومرهقة جدًا تعالى معى سأدلك على طبيب مميز فى حى الـ ……..).. قاطعته وهى بتزيح إيده بمنتهى القوة: (لا حاجة لى بكِ؛ الله يعاوننى على الشفاء).. تقدر تتوقع من هنا إن السؤال اللى كان بينهش دماغ “هارفى” هو إن “كارمن” الطيبة الغلبانة اللى كانت بتقول حاضر حاضر ونعم نعم جابت قساوة القلب دى منين!.. هو كان شايفها قساوة قلب بس ماكنش قادر يشوف إنها رد فعل طبيعى لسخافته اللى اتكررت أكتر من مرة وإنتهت بالخيانة وإنتهت بميلاد “كارمن” نفسها من جديد.

 

تستغرب من اللى يفنجل عينه قد كده ويعمل زووم على غلطاتك أنت، و ردود أفعالك أنت، ونفاذ صبرك أنت؛ وتجيله حالة توهان تامة بالنسبة لصبرك اللى سبق المرحلة دي، ولتصرفاته هو معاك، واللى كانت سبب ده كله من الأول!.. يا أخى اللى ضايقك منى ده طلع ولا نزل إسمه رد فعل؛ طب وبالنسبة لـ الفعل بتاعك؟.. أى بُعد، أو رميان طوبة كان قبلهم صبر، وتفويت مالهمش حدود؛ الناس بس هما اللى بيحبوا يقفلوا عينيهم عن الحقيقة دي ظناً منهم إنك هتستحمل أو مش هتقدر تبعد!.. هتفضل تيجي عليه مرة فى مرة فى مرة لحد ما تحصل لحظة الإنفجار من الطرف اللى حسيت إنه مستضعف!.. ساعتها هتسأل نفسك مليون سؤال: هو جاب القوة دي منين؟.. هو إستحملني ده كله إزاي؟.. هو كان شايل للدرجة دي؟.. هو هيقدر يكمل من غيرى؟.. أسئلة كتير إجابتها كلها واحدة: “أيوا”.. الحياة مش بتقف على حد، بالعكس دي بتقف فى صف اللى بيعمل اللى عليه للآخر، وبتتقلب موازين “الضعف” المنطقية لـ “قوة” فى صالحه وبتنصفه الدنيا.. الشاعرة والأديبة السودانية “روضة الحاج” بتقول: (واليوم دعنا نتفق.. أنا قد تعبت، ولم يعد فى القلب مايكفي الجراح.. أنفقت كل الصبر عندك، والتجلد، والتجمل، والسماح).

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع مواقعنا