باحترافه وفنه.. طفل صغير يسحر السياح في تونس بالفيوم (صور)
وسط جو صاف، ونسمات هواء نقية تتراقص على أنغامها أوراق الأشجار، تنعكس أشعة الشمس الدافئة على وجه الطفل محمد إبراهيم ذات العشرة أعوام، الذي يجلس على كرسي خشبي، وبين يديه قطعة من “الطمي” يقوم بتشكيلها بأنامله الصغيرة، ويركز عليها بعينيه الثاقبتين، بينما “قدماه النحيلتان” تلفان “عجلة الدولاب” ليلتف القرص الخشبي فيساعده في سرعة إنهاء ما يريده، ليصنع منها قطعة خزف فنية يعرضها للبيع في ورشة أبيه، ويصطف أمامه العشرات من السياح الأجانب، بالإضافة إلى أن المصريين يستمتعون بمشاهدة الموهبة الكبيرة لذلك الطفل الصغير، بينما يقوم بعضهم بتصويره لتخليد تلك اللحظة، وإعجابًا ببراعته، ذلك المشهد الذي لا يتكرر إلا في قرية تونس بمحافظة الفيوم.
“القاهرة 24” تحدثت مع “إبراهيم” الذي قال إنّه منذ نشأته ويعمل والده في صناعة الفخار بعدما تعلّم في مدرسة إيفلين، فكان يرى والده أثناء صناعة الخزف والفخار وكان يلعب في الطين دائمًا، وطلب من والده أن يُعلّمه منذ كان في الخامسة من عمره، وبالفعل بدأ يتعلم حتى أتقن صناعته وأصبح يساعد والده في عمله بعد اليوم الدراسي، وخلال الإجازة، كما أنّه يقف ليبيع معه في ورشتهم الخاصة، موضحًا أنّ كل أطفال تونس يعشقون صناعة الفخار لأنهم ولدوا في منزل فني ويفتحون أعينهم على الخزف والفخار المزخرفين برسومات من الطبيعة، والملون بألوان مُبهجة.
وأوضح “إبراهيم” أنّ صناعة الفخار والخزف سهلة، ولكن هناك مراحل لا يزال لا يتقنها ويقوم والده بها، وهي المراحل الأولى حيث يخلط الطمي بالمياه، وتقليبهما معًا جيدًا، ثم “غربلته” للقضاء على الشوائب تمامًا، ثم يُترك الخليط حتى يجف ويتماسك، وهنا يبدأ في أخذ القطعة الطين ويقوم بخلطها بيديه الصغيرتين جيدًا ثم يقوم بتشكيلها على الدولاب على حسب الشكل الذي يريده إذا كان طبقًا أو كوبًا أو غيرهما، موضحًا أنّ “الدولاب” هو عجلة خشبية بها قرص دائري كبير من الأسفل يُحرك بواسطة القدم مرتبط به قرص صغير من الأعلى الذي يوضع عليه الطين لتشكيله.
وأشار إلى أنّه بعد تشكيل القطعة اللازمة يتركها في الهواء الطلق لتجف، ثم يقوم بالرسم عليها رسومات من الطبيعة مثل الأشجار والورود والحيوانات الصغيرة والطيور، ويقوم بتغليفها بطبقة من “الجليز لتُعطيها لمعانًا، ثم تدخل الفرن ويتم حرقها على درجة حرارة عالية تتجاوز الـ 1000 درجة مئوية داخل الأفران لمدة 10 ساعات، وبعد ذلك تترك 10 ساعات أخرى بداخل الفرن حتى تبرد حتى لا تنكسر أثناء التقاطها وهي ساخنة وخروجها مباشرة للهواء، وبعد ذلك يتم عرضها للبيع بأسعار تتراوح بين 45 جنيهًا و2000 جنيه حسب الحجم والنوع والشكل والرسومات الموجودة بالقطعة الفخارية.
جدير بالذكر أنّ قرية “تونس” كانت في الستينيات مهجورة لا يقطن بها سوى عدد ضئيل من البدو والفلاحين يسكنون بداخل “عشش”، ولم تكن بها أي من الخدمات ولا حتى الكهرباء، وبالصدفة جذبت أنظار الشاعر سيد حجاب وزوجته، حينما كانوا في نزهة ببحيرة قارون والمناطق الطبيعية اللاتي كانا مولعان بها، خصوصًا أنّها تقع على تبة عالية على ضفاف بحيرة قارون، ويكسوها المئات من النخيل العالي وتحيط بها الصحراء من الخلف، فذهبوا إلى داخل القرية وأعجبتهما كثيرًا فقررا شراء قطعة أرض وبناء منزلًا عليها.
وقررت “إيفلين بيوريه” زوجة “حجاب” أن تبني منزلها على الطراز النوبي بالقرية، وانتقلت للعيش فيه، وبينما كانت تتجول بالقرية وجدت أطفالًا يصنعون ألعابًا من الطين المخلوط بـ”التبن” (قش القمح والأرز المطحون)، فقررت مزج خبرتها ودراستها في الفنون التطبيقية بفطرة هؤلاء الأطفال لتحويلها إلى حرفة وأنشأت مدرسة لتعليم صناعة الخزف والفخار، وبدأت تدريب أطفال القرية بها، ولم تكتف بذلك بل قررت دعوة الكثير من الأجانب إلى القرية، بالإضافة إلى العديد من الفنانين، حتى أصبحت القرية مشهورة يأتي إليها السياح من جميع أنحاء العالم، وأصبحت تضم أغلى وأفخم الفنادق.