كيف يرى النقاد “مساكين يعملون في البحر” الفائز بجائزة الدولة التشجيعية
في التقرير المعد من اللجنة المشكلة من المجلس الأعلى للثقافة لتحكيم جائزة الدولة فرع الشعر التي فاز بها ديوان «مساكين يعملون في البحر» لعبد الرحمن مقلد، رأت اللجنة في حيثياتها للفوز أن الديوان الذي يحتوي على 18 قصيدة من الشعر الحر، تعكس ثقافة وإلماماً كبيراً بالشعر والفنون الأخرى: سينما وموسيقى وفناً تشكيلياً، وقدراً عالياً من التفاعل مع قضايا الإنسان عموماً، وهموم الوطن العربي، ومصر خاصة، في لغة بسيطة رمزية وشجن شاعري رهيف وخيال واضح.
ورأت اللجنة أن الشاعر انحاز فى هذا الديوان جمالياً وإنسانياً للفقراء والمهمشين والبسطاء، كل ذلك فى إيقاع خليلي يعمل فيه على انتهاك التفاعيل بشكل يغلب الإيقاع على الوزن، ويمنح تجاربه عمقا جماليا مميزا خاصا.
هذه الحيثيات التي منحت الفوز للديوان «مساكين يعملون في البحر» للشاعر عبد الرحمن مقلد، توافقت مع التقدير والاهتمام والمتابعة النقدية الكبيرة، التي حازها الديوان من النقاد والشعراء والمهتمين بالشعر العربي والحركة الأدبية في مصر. في هذا التقرير الذي يأتي ضمن ملف يتوالى نشره عن الديوان، نرصد أراء النقاد في الديوان الذي صدر عن هيئة قصور الثقافة عام 2016.
تنوعت الكتابات التي تناولت الديوان ما بين مقالات نقدية وتدوينات كتبها عدد من كبار الشعراء والنقاد، ودراسات نشرها دارسون للأدب العربي الحديث، ومتابعات صحافية كتبها متابعون لما ينشر.
واختار الأكاديمي البارز وأستاذ علم نفس الأدب شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، ديوان «مساكين يعملون في البحر» من ضمن أهم ما طالعه مؤخراً، واعتبره «من أجمل الدواوين التي صدرت في السنوات الأخيرة، وأكثرها عمقاً»، مؤكداً أنه «يعود إليه بين فترة وأخرى فيكتشف فيه جمالاً آسراً وحساسية عالية وشجناً عظيماً».
ونشر الناقد الأدبي وأستاذ الأدب بجامعة القاهرة، أبو اليزيد الشرقاوي، تدوينة رأى فيها أن «عبد الرحمن مقلد في (مساكين يعملون في البحر) شاعر بسيط ولكنه مدهش، دون صخب أو جلجلة يتسرب إليك بهدوء، وتقرأ كأنه يخاطبك أو يهمس لك، لكنه كلام كبير وشعر قيم، وشاعرية قديرة ومبهر».
ونشر الشاعر والأكاديمي أمجد ريان دراسة عن قصيدة «يعملون في البحر»، رأى فيها أن الشاعر «اختار نهجاً جمالياً رفيع المستوى وجعل المنطق الرمزي طريقاً أساسية من طرائقه التعبيرية، لكي يتمكن من طرح ما يجيش في نفسه من حالات انفعالية حميمة، محملة بالدلالات والرسائل التي يوجهها لعالم صارم يحاصرنا بالقسوة والحرمان وبإجبارنا على عدم التحقق».
ونشر الشاعر محمود قرني مقالاً بعنوان: «حديقة المثالية تورق شعرا عن (مساكين) عبد الرحمن مقلد»، رأى فيه مقلد «شاعراً بامتياز، شاعراً يصدر عن وعي بالموقف الجمالي لنصه الشعري، يتبدى ذلك في معالجاته اللغوية والمضمونية، وموقفه من تطور النص التفعيلي في عمومه»، مؤكدا أنه «لا بد أن قارئ مقلد سيتوقف أمام تلك البساطة البادية في آداءاته اللغوية التي تعكس وعياً خاصاً بحدود التركيب وأسقف التأويل والتأويل المفرط اللذين أثقلا الذاكرة الشعرية بمعظلات لم يكن الشعر في حاجة إليها… هذا يعنى أن مقلد تمرد على تراكمات وأجيال شتى».
وخص الشاعر محمود خير الله، الديوان، بمقالة نشرها في مجلة «الإذاعة والتلفزيون»، بعنوان «قصيدة التفعيلة تهجرُ زمن النبوة»، أكد فيه أن الشاعر عبد الرحمن مقلد «يتمتع بصوت شعري متميز، فقد اختار ـ في الوقت نفسه وبمحض إرادته ـ أن يكتب نصاً تفعيلياً مُحكماً، وبمنتهى الجسارة، من دون أن يهاب وصف منجزه الشعري بالتقليدية أو القِدم، كون قصيدة النثر باتت القاسم المشترك الأعظم، في نصوص أجيال جديدة من الشعراء».
ونشر الأكاديمي يسري عبد الله دراسة نقدية عن الديوان في «الحياة» اللندنية، اعتبر فيها أن ديوان «مساكين يعملون في البحر» يعبر عن صوت متميز في مسار الشعرية المصرية الجديدة بخاصة في سعيه صوب احتفاء أشد بالجمالي، وبما يعني أننا أمام شاعر حقيقي يدرك أن التراكم النوعي لا بد أن يصحب التجربة الفنية.
واحتفى الشاعر والأكاديمي رئيس قسم الأدب بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، أحمد بلبولة، بالديوان، واعتبره أهم ما قرأ من شعر الشباب بعد ثورة يناير (كانون الثاني)، مؤكداً أن «شحذ الحاسة البصرية هو الأفق الكبير الذي تتحرك عليه قصائد هذا الديوان، والعقيدة الراسخة فيه هي ضرورة استعادة هذه الحاسة، بعدما صارت تائهة ومفككة في عالم الفضاءات المفتوحة، ولم تعد قادرة على النظر والتأمل في مفردات الحياة بحنو شديد، ولذلك نحن أمام قصيدة جديدة يمكن أن نسميها (القصيدة الفيلمية)، كما يستخدم الشاعر السرد لكنه السرد بقانون الشعر، الذي يتلبس إحساس عصره وإيقاعه».
وكتب الناقد والكتاب الصحافي محمود عبد الشكور: «أعدت قراءة ديوان (مساكين يعملون في البحر) للشاعر عبد الرحمن مقلد أكثر من مرة، سعيداً بموهبة شاعر مطبوع، ينحت من الكلمات خيالاً طازجاً، ويصنع من العبارات تجربة جديرة بالتأمل، وتنمحي لديه الفوارق بين الخاص والإنساني العام، ويعرف وجيعة البشر، ولكنه يفسح أمامهم باباً للأمل والنجاة».
وفي مقال للناقد والأكاديمي أحمد الصغير، أشار إلى أن «الشاعر عبد الرحمن مقلد قدم عبر ديوانه الفتي أطاريح متشذبة، تتخللها أساطير الفقراء الذين يقاسون كل لحظة، من خلال لغة متقشفة تزهد في الزخارف اللفظية والعبارات الممطوطة، متخلصاً من الصور النمطية والتراكيب المفتعلة، بل حاول أن يقتطع من أشجار الشعر قصائد تضرب بعمق في جوف الواقع وأرض الإنسانية المعقدة».
واحتفى الشاعر إيهاب البشبيشي بالديوان، و«بأنه يتفرد بتوازنه الدقيق بين السردية والغنائية، فنسمع للغناء بنفس سردي، كما أن كثيراً من القصائد يأخذ بناء الحكاية، ولكنها لا تتخلى عن الغناء، وهو ما يمنح الديوان بنية موسيقية هادئة، ليست فاحشة ولا رتيبة، ولكنها بنية تتفق وطبيعة التجربة التي يبقى إيقاعها هو الأطغى على النص»، مؤكداً أن «مساكين يعملون في البحر» أحدث مصالحة بين الشاعر والجمهور: «فبعد سنوات انصراف المتلقي عن الشعر، وانصراف الشاعر بدوره عن المتلقي وتعاليه عن الجمهور، يأتي عبد الرحمن مقلد ليقدم قصيدة تستطيع أن تجذب أذن المتلقي وتشد عين القارئ، فبالتالي فنحن أمام كسب جديد وفتح للشعرية».
وفي مقالة له، أشاد الكاتب الروائي والباحث أحمد إبراهيم الشريف بالديوان، وشدد على أنه «يظل الشعر سيد القول، ما دام هناك شعراء بقيمة عبد الرحمن مقلد، يعرفون أن التداعي لا يبنى قصيدة حقيقية، وأن التصنع لا يقدم روحاً خالدة، لكن الموهبة والإدراك وقنص اللحظة المناسبة والحالة الواجبة هو من يصنع النصوص العظيمة».
واعتبر الروائي أحمد شوقي على «مساكين»، أفضل ما قرأ في عام 2016، لافتاً إلى أن «قصيدة (الدم) في هذا الديوان يمكن أن تكون بمثابة المفتاح لقراءته، فهو ليس ديواناً عن البسطاء في المطلق، وإنما حوار بين بسيط وآخر بسيط مثله، يقدم كل منهما الاعتذار للآخر عما اضطرته الحياة لأن يفعله بصاحبه».
وأشاد الناقد والكتاب الصحافي إيهاب الملاح بالديوان بما فيه من موهبة أصيلة ولغة رائقة وحس فني وثقافة إنسانية بادية، تبطن كل سطر من الديوان، مؤكداً أن «مساكين يعملون في البحر» أعاده إلى قراءة نصوص الشعر بعد جفوة طويلة.
وكتب الباحث مصطفى جلال عن ظاهرة التناص في الديوان، ذاهباً إلى أنك حين تقرأ «مساكين يعملون في البحر» تعرف جيداً أنك أمام شاعر متمكن استطاع أن يحفر اسمه في مصاف كبار شعراء العربية.
وتوقف الناقد والباحث مدحت صفوت عن العنوان منطلقاً من أن «مساكين يعملون فى البحر» ليس تعبيراً عن أزمة المهمشين، لأن كل الأدب الإنسانى مشغول بهذه القضية، لكن خصوصية الديوان أنه يرفض الحرب، مشدداً على أن طريقة رفض الحرب فى الديوان متعددة، ولا تعتمد على المباشرة، بل، فى معظمها، تكون ناتجة بالرؤية السلبية للعنف والحرب. وأشاد الشاعر أحمد عايد في مقال بعنوان «مساكين يعملون في البحر قرباناً للغد»، بقدرة مقلد على جعلنا نتشكك هل هذه التجربة تفعلية أم نثرية؟ فالقصائد تشبع بنثرية مدهشة وسرديات بديعة ولغة تجافي الطنطنة والتشعرن وتبتعد عن ترهل النثر والسرد.
ونشر الشاعر والباحث إبراهيم السيد دراسة في عتبات الديوان، ورأى الشاعر والصحافي طارق سعيد أن «مساكين يعملون في البحر» يفيض بصور شعرية تكتمل مع تجاربنا الخاصة، وتلتئم القصائد مع تفاصيل إنسانية عدة بدأت من القديم، وتمتد إلينا، وتتشابك بأوصال العصر، لتعكس على مرآة الزمان صورة إنسان المستقبل الذي لا يختلف عنا كثيراً.
وفي مقاربته، ذهب الصحافي محمد نبيل إلى أن ديوان «مساكين يعملون في البحر» أعاد إحياء ذكرى أولئك المساكين، واستنطقهم جميعاً، ليخرج من بين شفاههم شعراً يعبر عن معاناتهم واختلاج نفوسهم، ليكتشف قارئ الديوان أن أسطورتهم أسطورة كل مساكين العالم، بما فيهم الشاعر عبد الرحمن مقلد نفسه.
ورأى الشاعر والكاتب الصحافي محمد الكفراوي أن قصائد الديوان تتميز بروح جديدة، ولغة جزلة، وموضوعات تصب في اتجاه الروح الإنسانية المتألمة، وفي موضوع الثورة باعتبارها ركيزة ومحورًا مهماً في الآونة الأخيرة، كما ينتصر الشاعر في ديوانه للمهمشين والبسطاء، ويؤكد ذلك بداية من العنوان مرورا بالعديد من القصائد.
وكتاب الشاعر عبد الله صبري أن ديوان «مساكين يعملون في البحر» للشاعر عبد الرحمن مقلد رهان على الشعر الحقيقي الصافي، ومحاورة لسؤال الشعر بتجلياته وأنساقه وإشكالياته الرؤيوية، لافتا لاستخدم الشاعر خطاباً شعرياً هادئاً رغم ثوريته الجمالية، هو خطاب لا يحتفي بالجماليات المجانية ولا الزخرفات الشكلانية، ولكنه يسعى إلى بناء شعرية مواربة متعددة الجماليات، واهتم بالسلاسة التي لا تجافي العمق والغموض المحفز الذي يبتعد عن الإبهام والانغلاق.
ودرس الكاتب والباحث أحمد صلاح هامش، بنية المفارقة في الديوان، منوهاً لعدد من السمات التي يمكن إدراجها تحت عناوين فرعية تتصل جميعها بحقل التجديدِ، ولكنه ليس ذلك التجديد الذي يضحِّي بالروح الشاعرة مقابل أن يجد متكأ لكي يختطف الريادة الاسمية على شكل أو قالب لا عن مضمون مغاير، ولا هو ذلك التجديد الذي يتباين مع القديم ويدابره، يقاطعه ويدير ظهره إليه، وإنما هو ذلك التجديد الذي يعرف التوازن، والانصياع للروح المبدعة، وتسليم الذات لها، وإن كان تسليمًا مشروطًا يتكئ على جودة المخرجات، وملاءمتها للمقاصد التي أرادها الشاعر من جهة، ويُطرِب بها السامعين من جهة أخرى، إيمانًا بأن القصيدة هي فنٌّ مسموع في البدء.