صفقة غزة.. ضغوط ترامب وتهديدات الحكومة الإسرائيلية تدفع نتنياهو نحو الهاوية
بعد الإعلان عن لقاء مرتقب بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 4 من فبراير، يبدو أن الحديث عن المرحلة الثانية من صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، قد عاد إلى الواجهة، مصحوبًا بأسئلة جوهرية حول قدرة نتنياهو على إدارة التحولات السياسية المعقدة داخل إسرائيل لضمان المضي قدمًا في هذه المرحلة الحساسة، لكن الواقع يشير إلى أن نتنياهو لا يملك كامل القرار في يديه، إذ يواجه ضغوطًا متزايدة من شركاء مشاكسين داخل حكومته وأوساط المعارضة، تجعل موقفه أكثر هشاشة.
التحدي الأكبر الذي يواجهه نتنياهو هو قانون التجنيد، وتحديدًا قانون إعفاء المتدينين الذي يشكل حجر الزاوية في الصراع الداخلي بين مكونات الائتلاف الحكومي، فحزب شاس وحزب يهدوت هاتوراه، اللذان يمثلان الأحزاب الدينية المتشددة، يصران على تمرير القانون لضمان إعفاء جمهورهم من التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، ويرون في الانتقال إلى المرحلة الثانية من صفقة غزة فرصة للحصول على دعم المعارضة لتمرير القانون، هذه المعادلة التي تعتمد على المساومة بين المصالح الداخلية والخارجية تضع نتنياهو في مأزق سياسي متعدد الأوجه.
من جهة أخرى، انسحاب إيتمار بن غفير من الحكومة وتهديدات وزير المالية بتسلئيل سموترتش بحل الحكومة إذا تم الانتقال للمرحلة الثانية من صفقة غزة يزيدان من حدة الأزمة داخل الائتلاف.
سموترتش، الذي يمثل التيار القومي المتشدد، يعارض بشدة أي خطوات تهدف إلى تقديم تنازلات للجانب الفلسطيني أو أي تغيير في السياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الضفة الغربية، هذا الموقف المتشدد يضع نتنياهو في مواجهة مع خيار صعب، إما تجاهل مطالب سموترتش والمضي قدمًا في الصفقة، أو التراجع عن الانتقال إلى المرحلة الثانية وبالتالي خسارة دعم الأحزاب الدينية وإسقاط الحكومة.
نتنياهو يواجه خطر السقوط
المعادلة السياسية القائمة تعتمد على الأرقام والتوازنات داخل الكنيست، في حال قرر نتنياهو المضي قدمًا في المرحلة الثانية بدعم الأحزاب الدينية والمعارضة، فإنه قد يضمن أغلبية برلمانية تمكنه من تمرير قانون التجنيد، لكنه سيخسر دعم التيار القومي المتشدد الذي يقوده سموترتش.
وعلى الجانب الآخر، إذا قرر عدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من صفقة غزة فإنه سيخسر دعم الأحزاب الدينية وربما يواجه خطر انهيار حكومته بالكامل.
تعكس التصريحات الأخيرة لزعيم حزب شاس، أريه درعي، بأن أمام الائتلاف شهرين فقط لحسم قضية التجنيد أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، حجم الضغط الذي يواجهه نتنياهو، هذا التحذير العلني يظهر أن الأحزاب الدينية لن تتراجع عن موقفها، وأنها مستعدة للمخاطرة بحل الحكومة إذا لم تتم تلبية مطالبها.
ومن جهة أخرى، المعارضة، التي ترى في المرحلة الثانية من صفقة غزة فرصة لتخفيف التوترات مع الإدارة الأمريكية وتحسين الوضع الإقليمي لإسرائيل، قد توفر لنتنياهو شبكة أمان سياسية إذا تمكن من تحقيق توافق معها.
الرهان الأساسي في هذا السياق يبدو مرتبطًا بترامب نفسه، الذي يحمل معه أجندة خاصة تهدف إلى تعزيز موقفه على الساحة الدولية واستثمار أي نجاح سياسي خارجي لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن لقاء ترامب مع نتنياهو قد يحمل رسائل قوية ليس فقط لإسرائيل، بل أيضًا للمنطقة بأكملها، إذ يعيد تسليط الضوء على مشروع صفقة غزة كجزء من طموحات ترامب لاستعادة دوره كوسيط عالمي، لكن تحقيق هذا الهدف يعتمد بشكل كبير على قدرة نتنياهو على تجاوز الصراعات الداخلية وضمان استقرار حكومته.
الخيار الذي قد يتبناه نتنياهو في النهاية يبدو أكثر وضوحًا مع الأخذ في الاعتبار حسابات الربح والخسارة، فإن الاستمرار في المرحلة الثانية من صفقة غزة بدعم من المعارضة والأحزاب الدينية، مقابل التضحية بشركائه من التيار القومي المتشدد، قد يكون الطريق الأقل تكلفة سياسيًا بالنسبة له، والمعارضة، التي تتطلع إلى التقدم في الصفقة، قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات مؤقتة لضمان تحقيق مكاسب استراتيجية طويلة المدى، أما الأحزاب الدينية، فهي تعتمد بشكل كامل على نتنياهو لتمرير قانون التجنيد، ما يجعلها أكثر ميلًا للبقاء ضمن الائتلاف مقابل تحقيق أهدافها.
يمكن لـ نتنياهو أن يجد نفسه مضطرًا للمضي قدمًا في المرحلة الثانية من صفقة غزة، مدفوعًا بضغط داخلي وخارجي لا يمكن تجاهله، لكن هذا القرار لن يكون خاليًا من التحديات، إذ قد يؤدي إلى تصعيد داخلي مع سموترتش وحلفائه، وربما حتى إلى زعزعة استقرار الحكومة على المدى القريب، ومع ذلك، فإن الرهان على دعم المعارضة والأحزاب الدينية قد يكون الخيار الأكثر أمانًا بالنسبة لنتنياهو في ظل الظروف الراهنة.