ثمرة جوز الهند المجعدة
في الكتاب الإنساني الأمريكي Living، Laughing، and Loving Life الكاتب دان ميلر كتب عن السيدة دجيه ماريرى من زيمبابوي في إفريقيا واللي كانت بتحكي إنها ليلة الفرح بتاعها وهي في أوضتها في بيت أبوها وفي قمة التوتر والقلق بتقيس الفستان للمرة العشرين وبتبص على جسمها الرقيق الشاب في المراية باهتمام، فجأة دخلت حماتها عليها الأوضة بدون استئذان، دجيه تخضت!!
بصراحة تصرف سخيف وزيارة غريبة ومش متوقعة، حماتها معدية الـ 80 سنة، متعكزة على عصاية خشب قديمة وخصلات شعرها لونها رمادي ملمومة تحت إيشارب خفيف، دجيه بصت حواليها بتدور على أختها اللي كانت لسه واقفة معاها من شوية بس كالعادة اختفت وملقتهاش زي كل مرة لما بتحتاجها، دا إيه الورطة دى! دجيه رسمت على وشها ابتسامة روتينية واضطرت تستقبل حماتها على مضض وقالت بينها وبين نفسها تلاقيها جاية تديني شوية نصايح عن الجواز وبتاع فنسمع الكلمتين بتوعها وخلاص.
حماتها دخلت قفلت وراها الباب، فجأة ودون مقدمات وبمنتهى الهدوء حماتها بدأت تقلع هدومها، دجيه استغربت إيه اللي الست المجنونة ده بتعمله ومن كُتر الخجل دارت وشها بعيد عشان متبقاش باصة عليها، الموقف كله كان مُربك ومش طبيعي، الست الكبيرة واقفة بتقلع هدومها حتة حتة وبمنتهى البساطة بدون كسوف ودجيه واقفة متنحة وبتحاول تبعد عينيها، بدون قصد جت عين دجيه على ثديين حماتها، بسبب السن بتقول إنهم كانوا مجعدين ومكرمشين ومفيهمش أي ملامح أنوثة ودبلانين زي ثمرتين برقوق أسود اتنسوا على الشجر!
الست قربت منها ومسكت بكف إيدها اللي العروق الزرقاء باينة فيهم كف إيد دجيه وحطته على وشها اللي مليان تجاعيد وبدأت تحرك كف إيد دجيه على تجاعيد وشها بالراحة! لما إيد البنت جت فوق أول تجعيدة منهم الست قالت لها: هذه التجعيدة من جراء الدموع التي سكبتها عند الولادة؛ الولادة مؤلمة مثل البرق الذى يقسم الشجر، كنت أريد أن أغني وأصرخ في وقت واحد.
حركت صوابع البنت لحد ما جت فوق تاني تجعيدة على وشها وقالت لها: هذه التجعيدة تشكلت بسبب ضحكي الهستيري بعد كل نجاح يحققه أحد أبنائي، حركت صوابع البنت لحد ما جت فوق ثالث تجعيدة وقالت: وهذه التجعيدة هناك أأأأأوه لا تضغطي عليها بقوة إنها لا زالت تؤلمني، إنها بسبب ضربة قوية تلقيتها وأنا أدافع عن ابني الأكبر من بطش أحد اللصوص، وهكذا شوية شوية لحد ما حكت لها قصة كل تجعيدة في وشها.
بعدها شاورت على صدرها وقالت لـ دجيه: من هذين الثديين الذابلتين استمد أولادي قوتهم، لقد أرضعت 6 أطفال أصبحوا فيما بعد رجالًا أشداء، بعدها شاورت على رجليها الرفيعين وبعدها على شعرها الشايب وفي كل مرة كانت بتحكي قصة عن تفاصيل جسمها، بعدها شاورت على نفسها وقالت: جمالي يكمن هنا، في تجاعيدي وثدييَّ الذابلتين، هنا علامات الولادة وهنا علامات الحياة، تجعايدي هي خريطة أحزاني، وأفراحي، لا يوجد إنسان قبيح، عيشي شبابك بمنتهى الاستمتاع حتى النهاية ولا تخجلي من تجاعيدك أبدًا فلكل مرحلة جمالها، أقول لكي تلك الكلمات التي سبق وقالتها لي والدة زوجة منذ سنوات طويلة في ليلة عرسي حتى تبقى الحكمة باقية مع كل نبتة جديدة، وحتى تبقى جذورنا راسخة في الأرض بدون أن تموت، عمتِ مساءً يا عزيزتي، سوف تسعدين ابني أعلم ذلك وسوف تكونين محط فخر لنا جميعًا.
الست قالت كل الكلام اللي فات وبدأت تلبس هدومها بالراحة واتعكزت على عصايتها وخرجت بخطوات بطيئة وهى بتدب على الأرض، بدون ولا نفس من دجيه اللي كانت واقفة مصدومة بتسمع كل حرف بيتقال، وهي بتتنفض زي الفار مرتبكة وقلبها بيرتعش، رسالة حماتها وصلت لها وفهمت المعنى وختمت قصتها المكتوبة في الكتاب بجملة بتلخص الدرس اللي طلعت بيه: غلاف ثمرة جوز الهند الصلب الجعد هو الذى يحمي العصير بداخلها.
• دايمًا فيه فرصة، مفيش حاجة اسمها حد شكله وحش، مفيش حاجة اسمها حد عجوز أو راحت عليه، حتى اللي ممكن يتشاف عيوب أو تجاعيد هو في الأصل وراه حكاية وحدوتة تخليك فخور بيها، وحتى لو التعب والأسى حفروا برذالة على الوشوش علامات، الست جمالها ومكياجها الحقيقى في ضحكتها.
الراجل جماله في رجولته وشقاه ويقدر يعمل إيه للي بيحبها، كان فيه ست فلاحة طيبة كانت بتجيب لنا عسل وبيض كل شهر وفي مرة كانت بتدردش مع أمي عن إنها تعبت وعايزة تتطمن على بنتها ونفسها تلحق تجوزها قبل ما تموت، بعد كام جملة فيهم شكوى عن قلقها راحت قالت لـ أمي بمنتهى الرضا: الحمد لله على كل حال مسيرها هتتجوز مفيش حد بيعنس، أصل لا الحلوة بتبور ولا أُم بربور، عيشوا اللحظة وبدون ما تفقدوا الأمل لا في ربنا ولا في نفسكم، حبوا نفوسكم زي ما هي، أصل دي نفسك.
نفسك أنت مش نفس حد تاني ولو محبتهاش مين هيعمل ده! كله هييجي في وقته جواز، شغل، سفر، حل مشكلة، كله جاي جاي، إحنا حلوين جدًا وطول ما فينا نفس طول ما فيها أمل.