نص مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية المقترح من نقابة الصحفيين
أعدت نقابة الصحفيين مشروع قانون جديد، من المقرر تقديمه للحكومة؛ يهدف إلى إلغاء العقوبات السالبة للحرية في الجرائم المرتكبة بطريق النشر والعلانية، ويأتي المشروع استنادًا إلى المادة 71 من دستور 2014 التي تحظر مثل هذه العقوبات، باستثناء الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف، أو التمييز، أو الطعن في الأعراض.
ويؤكد المشروع، استبدال عقوبات الحبس بالغرامة المالية في قضايا النشر والعلانية، تماشيًا مع الاتجاهات القانونية الحديثة في الدول الديمقراطية. ويعد هذا القانون تتويجًا لنضال الجماعة الصحفية على مدار سنوات لحماية الصحفيين والمواطنين من القيود القانونية التي تعوق حرية التعبير، وضمان مواءمة القوانين المحلية مع المبادئ الدستورية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
نص مشروع القانون
بعد الاطلاع على الدستور
وعلى قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته،
وعلى قانون الإجراءات الجنائية الصادر بالقانون رقم 150 لسنة 1950 وتعديلاته،
وعلى قانون حظر نشر أية أخبار عن القوات المسلحة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 313 لسنة 1956،
وعلى قانون المخابرات العامة الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 100 لسنة 1971،
وعلى قانون مكافحة الإرهاب الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 94 لسنة 2015،
وعلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر بالقانون رقم 175 لسنة 2018،
قرر
القانون الآتي نصه:
(المادة الأولى)
تلغى العقوبات السالبة للحرية في الجرائم المنصوص عليها في كافة القوانين المصرية طالما ارتُكبت بطريق النشر أو العلانية. وبالأخص في المواد (102، و102 مكررًا، و174، و177، و178، و181، و184، و186، و189، و190، و191، و192، و193) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937.
وتقضي المحاكم المختصة بالغرامات المنصوص عليها في المواد العقابية للجرائم المرتكبة بطريق النشر أو العلانية.
(المادة الثانية)
في الحالات التي تقتصر فيها عقوبة الجريمة المرتكبة بطريق النشر أو العلانية على عقوبة سالبة للحرية، تقضي المحاكم المختصة بعقوبة الغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه.
(المادة الثالثة)
لا يسري حكم المادة الأولى من هذا القانون على الجرائم التي تُرتكب بطريق النشر أو العلانية، في حالات التحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد.
(المادة الرابعة)
ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من اليوم التالي لتاريخ نشره.
مذكرة إيضاحية لمشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية
يستلهم المؤتمر العام السادس لنقابة الصحفيين هذا المشروع من حصيلة نضال طويل للجماعة الصحفية من أجل حماية حرية الرأي والتعبير، وصون حقوق المواطنين والصحفيين في الحرية الشخصية والدفاع عنها ضد أي اعتداء أو تنكيل. فقد كان إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية على رأس مطالب المؤتمرين الرابع والخامس، وفي مقدمة مُخرجات اللجنة الوطنية لإعداد تشريعات الصحافة والإعلام عام 2015.
لقد مر على إصدار الدستور الحالي لمصر نحو أحد عشر عاما، ومازالت القوانين العقابية تزخر بالقيود التي تمنع تحقيق قفزة كبرى نحو تحديث النهج الجنائي من خلال حظر توقيع العقوبات السالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، كقاعدة عامة استحدثتها المادة 71 منه.
وُلد دستور 2014 متوّجا آمال الشعب المصري العظيم بعد ثورتين، ومحمّلا بطموحات كبرى لاستكمال بناء دولة ديمقراطية حديثة والحيلولة دون تكرار العصف بحريات المواطنين والنيل من حقوقهم، وفي القلب من ذلك حرية التعبير والحق في إبداء الرأي والإفصاح عن الإنتاج العقلي بمعزل عن الاستبداد والتعسف.
وبخلاف الدساتير السابقة نصت المادة 71 من الدستور على أن "يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها في زمن الحرب أو التعبئة العامة. ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون".
وبذلك حقق الدستور توازنا طالت المطالبة به لعقود، بين حماية حرية النشر والإصدار والتعبير وبين المسئولية الوطنية والاجتماعية التي يجب أن تحدّ تلك الحريات، بألا تصير وسيلة للتحريض على العنف أو التمييز أو أن يستغلها البعض للطعن في أعراض الآخرين، محددا بذلك ثلاثة استثناءات واضحة تحدد التشريعات المختصة عقوبتها.
أما القاعدة العامة فتتمثل في حظر توقيع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية، وسواء كانت تلك الجرائم تتسم بالعلنيّة أو تتطلب النشر لتكتمل أركانها، أو إذا كانت جرائم أخرى تم ارتكابها بواسطة النشر أو في ظروف توافرت فيها شرط العلانية، وسواء ارتُكبت تلك الجرائم بواسطة الصحف أو وسائل الإعلام أو غيرها.
ويتفق هذا الاتجاه الدستوري المحمود مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948 الذي ينص على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود" ويتفق أيضا مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1996 والذي ذهب إلى أن "لكل فرد الحق في حرية التعبير، وعلى أن الحق يشمل حرية البحث عن المعلومات أو الأفكار من أي نوع والحصول عليها ونقلها، بغض النظر عن الحدود الإقليمية، وسواء كان ذلك شفاهة أو كتابة أو طباعة".
ولقد حذرت المحكمة الدستورية العليا في غير حكم لها من خطورة "فرض قيود ترهق حرية التعبير بما يبعد المواطنين عن ممارستها" منبهةُ إلى أن "الطريق للسلامة القومية يكمن في ضمان الفرص المتكافئة للحوار المفتوح لمواجهة أشكال من المعاناة متباينة في أبعادها وتقرير ما يناسبها من الحلول النابعة من الإرادة العامة" (الحكم في الدعوى رقم 37 لسنة 11 قضائية دستورية بجلسة 6 فبراير 1993) ولا نتصور أن هناك قيود يمكن فرضها على حرية التعبير أشد من فرض عقوبات سالبة للحرية في وقائع يكون جوهرها الرأي والنقد.
كما أن سلب المواطنين حريتهم كجزاء لما يُكتب ويُنشر أو يُقال ويُذاع، ليس المنهج القانوني الأنسب للتصدي للشطط في استخدام حرية التعبير، نظرا لطبيعة محتوى التجريم ذاته، وهو الإنتاج العقلي للإنسان والذي يصعب فرض معايير لضبطه والتحكم فيه. فإذا طرق المشرّع سبيلا لذلك يكون قد دخل حومة الاستبداد حيث "لا يجوز أن يكون استعمال المواطن لحرية عامة كفلها الدستور، هي حريته في التعبير عن رأيه، سببا في حرمانه من حق أو حرية عامة أخرى قررها الدستور" (حكم المحكمة الدستورية العليا في الدعوى رقم 44 لسنة 7 قضائية دستورية بجلسة 7 مايو 1988).
ويتوافق إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية مع ما استقرت عليه العديد من الدول الديمقراطية منذ سنوات طوال، فقد ألغيت في بريطانيا عام 1880 وفي فرنسا عام 1928، وبشكل عام يتجه الفقه القانوني مدعوما بالأبحاث الجنائية والاجتماعية إلى أن العقوبات المالية كالغرامة والتعويض هي الأكثر نجاعة في تحقيق الصالح العام وكذا جبر الضرر الشخصي للمعتدى عليه، أما استخدام سلب الحرية للردع والترويع فلم يعد العقاب المناسب في نظام قانوني يبتغي العدالة لا الانتقام.
كما أن استمرار وجود نصوص تشريعية تسمح بالحبس والسجن في ظل نص دستوري صريح بحظر ذلك أمر ينافي المنطق السليم لطبيعة التشريع العادي، مما يصم العديد من النصوص بعدم الدستورية ويهدد ببطلان الأحكام والقرارات القضائية المستندة لتلك النصوص، مما يجعل من المهم سن قانون لإلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية كرسالة سياسية وبرهان أكيد على عدم استخدام السلطات العامة تلك الأداة المحظورة دستوريا، لا سيما وأن الحكم الدستوري وجد صداه في العديد من التطبيقات التشريعية والقضائية الجديدة، وفي القلب منها حكم المحكمة الدستورية العليا الصادر مؤخرا برفض الطعن على المادة 303 من قانون العقوبات التي تم إلغاء العقوبة السالبة للحرية فيها بموجب القانون رقم 147 لسنة 2006 واكتفى المشرع بالغرامة (الحكم في الدعوى رقم 60 لسنة 22 قضائية دستورية بجلسة 6 يوليو 2024).
تفصيل أحكام المشروع قانون نقابة الصحفيين
ويأتي المشروع المرفق في نفس السياق متضمنا إلغاء جميع العقوبات السالبة للحرية من حبس وسجن في جميع القوانين المصرية كافة، طالما ارتُكبت بطريق النشر أو العلانية، وعلى الأخص المواد (102، 102 مكررًا، 174، 177، 178، 181، 184، 186، 189، 190، 191، 192، 193) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937، ومواد القرار بقانون رقم 94 لسنة 2015 بشأن مكافحة الإرهاب، ومواد القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
وغنيٌّ عن البيان أن المشروع يُبرز تلك المواد ليس على سبيل الحصر، بل كأمثلة على العديد من المواد العقابية التي تتناقض مع صريح نص المادة 71 من الدستور، ومازالت تُستخدم حتى الآن وتتسبب في صدور أحكام بالحبس والسجن.
وينص المشروع على إلزام المحاكم الجنائية المختصة بتطبيق تلك النصوص العقابية في القوانين المختلفة، بعدم توقيع عقوبة سالبة للحرية على المدانين في تلك الجرائم، والالتزام بالحدود الدنيا والقصوى للغرامات المنصوص عليها في المادة العقابية الخاصة بكل جريمة.
أما في حالة خلو المادة العقابية من عقوبة الغرامة، فينص المشروع على إلزام المحاكم الجنائية المختصة بتوقيع غرامة تتراوح بين ألف جنيه وثلاثين ألف جنيه، وقد تم تحديد الحدين الأدنى والأقصى استرشادا بالنصوص القائمة حاليا في قانون العقوبات على جرائم النشر والعلانية، لضمان تمتع القاضي بسلطة تفريد العقوبة.
ولا يسري هذا التنظيم كله على الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، التزاما بنص المادة 71 من الدستور، وتقديرا للخطورة الداهمة لتلك الجرائم على الوطن والمجتمع والحقوق الأساسية للمواطنين وكرامتهم وخصوصيتهم، فلا حصانة لمن يسعى إلى أبناء وطنه بالعنف والكراهية أو يحاول نشر الفتنة.