الجولاني.. صورة هوليوودية مُهجنة
لحية مهذبة.. ورأس دون عمامة.. والأهم ملابس عسكرية صُممت من أقمشة فاخرة!!
يبدو أن الآلة الإعلامية الغربية قد اتفقت على إنتاج النسخة الجديدة لشكل الأصوليين الجهاديين في المنطقة؛ لكي تواكب التطور التكنولوجي والمعرفي الكبير لدي الشعوب، فبدلا من الشكل السينمائي المتعارف عليه منذ عشرات السنوات ورسخته الأفلام الهوليوودية لمقاتلي القاعدة في أفغانستان ومن ثم العراق، بهذا الشكل الذي يتقارب مع محاربي العصور الوسطى بارتدائهم الجلاليب القصيرة، التي تعلوها صدرية ومن أسفلها سراويل أطول منها نسبيا، وعمامة تغطي شعر الرأس ولحية غير مهذبة وأحيانا غطاء يُخفي الوجه عدا العينين!!
لكن من يتابع تطورات الأوضاع الميدانية على الأرض في سوريا، منذ الأسبوع الماضي وما حدث في حلب وحماة، يرى بأم عينيه صورا ومقاطع فيديو مصورة بأن هناك نتاجا جديدا لتغيير تلك الصورة النمطية في ثوب حديث، إذ يطل علينا من خلالها اسم قديم جديد وهو محمد الجولاني قائد هيئة تحرير الشام المنبثقة من جبهة النصرة سابقا، لكن هذه المرة يخرج الرجل بوجه سينمائي وديع تلفه لحية مهذبة نظيفة لا تحمل غبار المعارك، ودون عمامة تغطي الرأس، بينما يرتدي هو ملابس عسكرية أنيقة مصنعة من أقمشة فاخرة، وعلى دربه اكتسى بها كبار رجاله.
مَن هو محمد الجولاني؟
محمد الجولاني هو قائد هيئة تحرير الشام -جبهة النصرة سابقا-، رغم شُح المعلومات عنه وهو أمر طبيعي، فإنه ولد من رحم أكثر التنظيمات الإرهابية بئسا ودموية، بداية من انضمامه لتنظيم القاعدة في العراق عام 2003، إذ أصبح قريبًا من أبو مصعب الزرقاوي زعيم الجماعة، لكن بعد اغتيال الأخير عام 2006، انتقل الجولاني؛ إلى لبنان لكنه عاد لاحقًا إلى العراق، لتعتقله القوات الأمريكية مدة ليست بالقصيرة لكنها وفي عام 2008، سرعان ما قررت إطلاق سراحه دون شرط أو قيد؛ وهو ما يضع علامة استفهام من الحجم الكبير!.
تلك الحرية المشوبة بكثير من التكهنات والريبة دفعت الجولاني، لاستئناف أنشطته بالتعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق تحت قيادة أبو بكر البغدادي، وفي أغسطس2011، وفي خضم الاحتجاجات ضد الأسد، أرسل تنظيم القاعدة الجولاني إلى سوريا لتأسيس فرع للتنظيم، وفي عام 2012، أعلن تدشين جبهة النصرة، وفي وقت لاحق سرعان ما رفض محاولة البغدادي دمج تنظيم الدولة الإسلامية في العراق مع جبهة النصرة، وتعهد بدلًا من ذلك بالولاء الحصري لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، الذي اغتيل هو نفسه في ضربة أمريكية في أواخر يوليو 2022.
بعد مرور نحو 5 سنوات وبالتحديد في يناير 2017؛ خرج الجولاني ليعلن تأسيس هيئة تحرير الشام، بشكلها الجديد الذي جاء بشعار هادئ بعيدا عن الرايات السوداء والعمائم الداكنة والملابس الرثة المهلهلة، وكأنه دُفع به لتغيير الصورة الذهنية التي رسختها الآلة الإعلامية الغربية بهيمنتها وقوتها، بأن الإرهابيين الجدد كيوت، يلبسون أفخر الثياب العسكرية على الطريقة الغربية، وأن شكل “رجل الكهف” المُشاهد منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قد ذهب أدراج الرياح العاتيات، ومن ثم جاءت معارك حلب لتقديمهم من جديد.
بعيدا عن مصادر الأسلحة والذخائر والدعم العسكري والمعلوماتي والمالي، للجماعات المسلحة في سوريا ومن بينها هيئة تحرير الشام بالطبع، لكن تلك الملابس التي يرتديها الجولاني، وأعوانه المقربين يطرح الكثير من التساؤلات فهي قريبة من حيث الشكل والجودة من تلك التي يرتديها جنود أقوى الجيوش وعملاء أجهزة الاستخبارات الأشهر في العالم، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات والتكهنات.
جولة قصيرة على يوتيوب وشبكة المعلومات الدولية، لمشاهدة جولات ولقاءات الجولاني، خلال السنوات الماضية كفيلة بأن تجيب على كثير من الأسئلة في رأسك وتقطع الشك باليقين فيمن يقف وراء الرجل، فاجتماعاته في غرف كبيرة وليست في مغارة داخل جبل أو نفق تحت الأرض، كما أنه يجلس ويجلسون معه على كراسي جلدية مكتبية، ولا يفترش الأرض وكأنه قادم من أزمنة غابرة، وتفقده للمقاتلين في عروض عسكرية، كل هذا بحرية كبيرة دون خوف رغم أن الولايات المتحدة تضعه على قوائم الإرهاب وأنه من المطلوبين.
الجولاني، بملامحه الشابة التي تخفي بركان لا يهدأ، وصوته الهادئ المصحوب بوجه ترتسم عليه ابتسامة لا تفارقه، جهر أكثر من مرة بأنه يقاتل الجيش السوري ومن ورائه المحتل الروسي والإيراني هكذا وصفهم هو بقوله - وليس هناك تبرير لوجودهم على أرض عربية- لكنه لا يرى أن وجود إسرائيل في هضبة الجولان والسيطرة عليها عنوة عدوانا واحتلالا منذ 1967، وأن القواعد الأمريكية والغربية على الأراضي السورية حصلت على صك الغفران من نيرانه.
إن العاقل الرشيد ممن يرى تلك الصور والمشاهد يتيقن أن هؤلاء هم صناعة للهيمنة والقتل والتخريب في تلك المنطقة الأهم من العالم؛ والتي قُدر لها أن تكون أكثر سخونة من طقسها الصحراوي الغالب على معظم أراضيها، وأن الجولاني ومن على شاكلته لا يخدمون إلا أجندة واحدة ظاهرها فيه الجهاد؛ وباطنها فيه القتل والفساد للبلاد والعباد.