الحياء خير كله.. موضوع خطبة الجمعة اليوم
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة اليوم 27 من جمادى الأولى 1446 للهجرة، الموافق 29 من نوفمبر 2024، بعنوان: الحياء خير كله، قائلة، إن الهدف المراد توصيله إلى رواد المسجد من خلال هذه الخطبة هو بيان أهمية التحلي بخلق الحياء، وأنه باب التقوى، ومفتاح حب الناس.
النص الكامل لخطبة الجمعة
الحمد لله العزيز الحميد، القوي المجيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من نطق بها فهو سعيد، سبحانه هدى العقول ببدائع حكمه، ووسع الخلائق بجلائل نعمه، أقام الكون بعظمة تجليه، وأنزل الهدى على أنبيائه ومرسليه، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، شرح صدره، ورفع قدره، وشرفنا به، وجعلنا أمته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن الحياء شمس الأخلاق ونبراسها، ودرة القيم وتاجها، فإذا كان لكل دين خلق فإن خلق الإسلام هو الحياء، والحياء والإيمان قرناء جميعًا، والحياء شعبة من الإيمان، وإذا كان مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن باب الإحسان هو الحياء.
ولكن أيها الكرام ما هو الحياء؟ إن الحياء خلق جليل يحمل الإنسان على اجتناب ما يلحق به الذم والعيب، إنه شعور فطري عميق باجتناب ما لا يليق بالإنسان المكرم ولا يجمل بعلو قدره عند ربه وعند نفسه، إنه الشعور بالكرامة، الترفع عما يشين، التنزه عن مواطن الدنايا والرذائل والزلل.
أيها الناس! إن الحياء هو حال عباد الله الصالحين، يجدون فيه زكاة للروح، وحياة للضمير، وسموا للأخلاق، وبعدا عن ثقافة الفحش والتدني والسفول، الحياء حائط صد أمام القبائح والمعايب، فأهل الحياء هم أهل التقوى والفضيلة، وأما أهل الصفاقة فيهوي بهم الانحلال في واد سحيق، فإنه لا يؤمن عديم الحياء على مال أو عرض، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت».
ويا أيها المتوج بالحياء، ما أعظم أخلاقك وأرقى خصالك! يكفيك شرفا أن الحياء صفة من صفات الله جل جلاله: «إن الله حيى كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين»، وكأني بك تترقى مراقي الجمال، وتملك ناصية الإحسان، فتستحيي أن ترد سائلا أو تعنف مسترشدا، وتجبر خواطر الناس بحب وود وحياء عظيم؛ تتطلع بذلك إلى هذا الجمال والجلال المحمدي «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها».
أيها النبيل! ليكن حياؤك كحياء الكريم يوسف عليه السلام حين نقش بماء الحياء والعفة على قلبه هذا الشعار {إنه ربي أحسن مثواي} فمنعه الحياء من أن ينزلق في مزالق الفواحش، ليستحق هذا التأييد الإلهي والمدد الرباني {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء}، واجعل لسانك أيها الكريم رطبا بهذا الدعاء المحمدي النوارني «اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى»، وتمثل قول القائل:
ورب قبيحة ما حال بيني * وبين بلوغها إلا الحياء
فكان هو الدواء لها ولكن * إذا ذهب الحياء فلا دواء
أيها الحيي أبشر فـ «إن الحياء لا يأتي إلا بخير»، وإن «الحياء كله خير»، فالحياء دليل نبل الإنسان وشرف أصله ونقاء معدنه، الحياء باب عظيم من أبواب التقوى الذي يفتح الله به بركات السماء والأرض، وإليك هذا الإكرام الإلهي للكليم الحيي موسى عليه السلام، فقد وهبه الله تعالى بالحياء زوجة صالحة حيية، وإقامة طيبة هنية، وعملا مربحا مباركا، وطمأنينة وأمانا وسكينة، كما وهب الوهاب سبحانه هذه الدرة المصونة واللؤلؤة المكنونة ذات الحياء والعفة شرف الزواج بكليم الله ومصطفاه {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين * قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فيا أيها الكريم ليكن حاديك إلى الحياء هذه الكلمات (الله ناظري، الله شاهدي، الله حسبي، الله مطلع علي)، لتسمو في مراتب الجمال، فإذا دعتك نفسك إلى ما يغضب ربك سبحانه ويصغر نفسك الغالية في عينك، ويضع من شأنك بين الناس، فتذكر قول الله عز وجل: {ألم يعلم بأن الله يرى}، إن الله جل جلاله يرى إحسانك، يرى عفتك، يرى طهرك، يرى رقيك، يرى حياءك، يرى إيمانك، فعن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعه فإن الحياء من الإيمان».
إن الحياء إسعاف عاجل أمام طوفان تكنولوجي هادر من تطبيقات إلكترونية تفتح الباب أمام مواقع مشبوهة، ومقامرات محرمة، ومراهنات مهلكة، ومحتوى لا حياء فيه ولا خجل، فالحياء حاجز فطري أخلاقي أمام رغبة التريند وتحقيق أعلى المشاهدات ولو كان ذلك في فساد وإفساد {والله لا يحب الفساد}، ولله در القائل:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه * فلا خير في وجه إذا قل ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما * يدل على وجه الكريم حياؤه