دار الإفتاء عن التحدث في الطب بغير علم: عبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم فساد في الأرض
كشفت دار الإفتاء، الحكم الشرعي لنشر وصفات طبية من غير أهل الطب المتخصصين على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت دار الإفتاء، في فتوى لها على موقعها الرسمي، إن وصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب المختص التجرؤ والإقدام على التحدث في أمور الطب أو وصف دواءٍ لمريض، وينبغي على الإنسان العاقل أن لا يضع أمر صحة بدنه تحت تصرف كل من تسول له نفسه أنه يفقه في كل شيء، فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوع من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها.
كما استشهدت بقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون، موضحة أن الشرع الشريف أرشد إلى اللجوء إلى ذوي الخبرة وأهل الاختصاص كلٍّ في تخصّصه؛ وسؤال أهل الذكر إذا خَفِي علينا شيء؛ فقال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون، سورة النحل، الآية رقم 43، وقال جل شأنه: الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، سورة الفرقان، الآية رقم 59.
وأردفت الإفتاء : كما علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم احترام التخصّص؛ فبرغم علمه صلى الله عليه وآله وسلم الرباني إلا أنه كان يستشير المتخصصين من الصحابة في كافة الشئون الدنيوية ليعلمنا اللجوء للمتخصصين، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُنوه بتخصصات أصحابه الكرام إشادة بهم؛ فيقول: أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ -وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِـ رواه أحمد في المسند، وابن ماجه والترمذي والنسائي في سننهم، ففي هذا الحديث تنبيه للناس ليكونوا على بيِّنة من هذه التخصصات حتى يلجؤوا إليها عند الحاجة، أو لترجيح قول صاحب التخصص عند التعارض.
كما أشارت إلى تحذير النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن تَطبُّب غير الطبيب وتصدره لعلاج الناس من غير أهلية لذلك، وأخبر أن فاعل ذلك مُتَحمِّل لتبعات فعله وآثار تصرفه، ولا يَشْفَع له حُسْن القصد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْل ذَلِكَ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني في السنن، والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد.
وفي لفظٍ: مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ، رواه البيهقي في السنن، ومعنى التطبَّب: الإقدام على ممارسة الطب مع الجهل بهذه الممارسة؛ ولَفْظَة: تَطبُّب تدل على تكلّف الشيء والدخول فيه بعُسْرٍ وكُلْفَة، وأنَّه ليس من أهله؛ قال الإمام الخطابي في معالم السنن: والمتعاطي عِلْمًا أو عملًا لا يعرفه مُتَعَدٍّ، فإذا تولّد من فعله التلفُ ضمن الدية، وسقط عنه القَوَد؛ لأنَّه لا يستبد بذلك دون إذن المريض.
وقالت الإفتاء، إنه بناءً على ما سبق: فعلى الإنسان العاقل أن لا يضع أمر صحة بدنه تحت تصرف كل من تسول له نفسه أنه يفقه في كل شيء، فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوع من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها، ووصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب المختص التجرؤ على وصف دواءٍ لمريض.