صبر وهجر
لما طرفين بيختلفوا لأى سبب أنت مش بتكون محتاج أكتر من طرف واحد فيهم يكون قليل الأصل عشان تشوف بعينك أقذر سلاح وهو بيستخدم بمنتهى الحقارة وهو تشويه سمعة الطرف التاني الساكت!.
في معظم الخناقات اللي بتحصل حوالينا أو حتى اللي كنا إحنا طرف فيها هتلاقي إن فيه شخص ما قلع بُرقع الحياء وقرر يفرش أكاذيب واتهامات تمس سمعة الشخص المختلف معاه في محاولة منه لجذب تعاطف باقي الناس أو قفل الباب قدام أي حقيقة صادقة تتقال بعد كده.. أسلوب خسيس بيكشف دناءة النفس البشرية لما بيقرر صاحبها يكون حقير بكل اللي بتعنيه الكلمة.. لكن هل الحكاية بتقف لحد هنا؟.. لأ.. مش لأ قطعية جازمة لكن بنسبة هي الأكثر الشخص اللي بيتم إغتياله معنويًا بالأكاذيب بتتكتب له النجاة في نهاية القصة من كل اللي حاول الشخص الخسيس تشويهه بيه.. والنسبة الأقل للأسف بتغرق بنفسها وبإيديها في الصورة الغلط اللي اتحطوا فيها لإنهم استسلموا وماقرروش يثبتوا عكس اللي اتقال.
الشاعرة والكاتبة الصحفية "راشيل بيري" واللي فازت سنة 1999 بجائزة "عيد الحب" من مجلة (بيلين) بتحكي عن قصتها الغريبة شوية مع ولادها الأربعة (بنتين وولدين).. بتقول إنها لما اتطلقت من جوزها ساب معاها الولاد وخلع!.. مش خلع يعني مشي لأ ده هو طردها هي والأولاد في الشارع كمان!.. رغم إن جوازهم كان عن حب بس المشاكل اللي فضلت تكبر تكبر كانت نتيجتها الحتمية لازم تكون الانفصال.
الفكرة إن جوزها "جيمي" بدأ يتكلم مع أصدقائهم القدام وجيرانهم عن مساويء شخصية "راشيل" وإزاى إنها إنسانة نكدية ومش مهتمة ببيتها ودمها تقيل ومش بتراعي أولادها.. بإختصار قال لهم إنه كان عايش مع شيطان في صورة ست.. الجيران والأصدقاء ورغم إن معظمهم عارفين "راشيل" كويس جدًا لكن بعضهم اتهز شوية وبعد عن التعامل معاها خالص تأثرًا بكلام جوزها!.
ولإننا بشر طبيعي نزعل كان عادي إن "راشيل" تتخض من كمية التصديق للكلام الأهبل بتاع جوزها اللي صدقه 3 من أقرب صاحباتها عنها!.. صديقة واحدة بس هي اللي ماكانتش مصدقة وفاهمة إن ده انتقام من جوز "راشيل" مش أكتر.. بعد لحظات من الزعل والحزن فاقت "راشيل" وركزت في إن عندها تركة تقيلة عليها خصوصًا إنها وقتها كان عندها 27 سنة بس والتركة دي محتاجة اهتمامها كله!.
"راشيل" المتدلعة بنت الأسرة الثرية اللي عمرها ما اشتغلت قبل كدة كان قدامها طريق من اتنين.. يا إما تلجأ لأهلها، يا إما تحاول تخبط يمين وشمال هي والعيال!.. اختارت الاختيار التاني!.. شافت وظيفة في مكان ما كموظفة خدمة عملاء.. الراتب مش كبير بس يمشي الدنيا شوية.. عاشت هي والولاد الأربعة في شقة صغيرة مكونة من أوضة واحدة في (نيو جيرسي).. بسبب الظروف الصعبة ماكنتش قادرة تجيب لهم الحاجات اللي بيحبها الأطفال اللي في سنهم.. لعب.. حلويات.. خروجات.. لبس.. يادوبك كان بتدفعلهم مصاريف الحضانات والمدارس.. الحقيقة إن "راشيل" وزي ما هي بتقول كانت بتتعامل مع أولادها كأنهم جنود في أرض معركة.. شدة بس بدون قسوة.. صداقة.. مصارحة.
تقدر تفهم ده كويس لما تعرف إن أول درس قالته ليهم رغم إن عمرهم كان صغير وقتها إن إحنا في أزمة ومش هنعرف نمر بيها إلا وإحنا مع بعض وسوا.. اتكلمت معاهم كـ ناس كُبار ومسئولين وهما استقبلوا كلامها كجنود بيحبوا القائد بتاعهم.
على الناحية التانية كان "جيمي" عمال يشوه في سمعتها أكتر وأكتر لدجرة إن كل حكاويه عنها بقت بايخة وبدأت الناس تلاحظ إن الخلل عنده هو خصوصًا إنه مش مبطل كلام وحش عنها والست ساكتة وعايشة حياتها بمنتهى المعاناة مع أولادها يبقى أكيد أنت اللي سيء يا عم "جيمي".
بعد كذا شهر الأمور اتحسنت شوية بالنسبة لـ "راشيل" وفي يوم قرأت في صحيفة عن إعلان بيع شقة كبيرة في حتة راقية ومكونة من 5 غرف لدواعي السفر!.. السعر كان بسيط جدًا مقارنةً بمساحة الشقة المعروضة للبيع؛ ده غير إن صاحبها كان عارضها بالتقسيط كمان!.. طلعت جري على صاحب الشقة ودفعت جزء من المبلغ اللي كانت بتحوشه من شغلها كعربون ومضت معاه العقد.
اتفقت معاه إنه هيسلمها الشقة بعد شهر لما يخلص فيها بعض التوضيبات وبالتالي أنهت هي كل علاقتها بالشقة الصغيرة اللي قاعدة فيها وبلغت صاحبها هو كمان إن الشهر ده هو آخر شهر ليها هي وأولادها فيها وبالتالي برضو صاحب الشقة الصغيرة جاب مستأجر جديد هييجى من أول الشهر.. مر الشهر.. ليلة ما كانت رايحة تستلم شقتها الجديدة سهرت هي وأولادها الأربعة على السرير الوحيد اللي في شقتهم الصغيرة يخططوا ويتكتكوا هيوزعوا نفسهم في الشقة الجديدة إزاي.
تاني يوم اكتشفت إن صاحب الشقة الجديدة نصب عليها وهرب!.. مافيش أي وسيلة تواصل معاه واختفى ومش معاها حتى مفتاح الشقة!.. بقت هي والولاد فـي الشارع حرفيًا.. بنتها سألتها: (أمي، لمَ لا نذهب ونقيم مع جدتنا في منزلها؟).. "راشيل" ردت: (لن يحتمل أحد أحدًا غيره، لكل شخص حياته الخاصة ويجب أن نعتمد على أنفسنا).. جمعت جنودها الأربعة وفكروا كلهم مع بعض وخدوا القرار.. هيعيشوا في العربية (الزوبة) الملاكي الصغيرة بتاعتها!.. معيشة معيشة مش وضع مؤقت ولا بتاع.. هي في كرسي السواقة.. جنبها ابنها الكبير.. على الكنبة اللي ورا الولد والبنتين.. الحمام؟.
كانوا بيدخلوه في حمامات مطاعم التيك أواي الرخيصة اللي كانوا بيركنوا قدامها وبرضه بياكلوا من عندها.. الدُش؟.. كان بيروحوا بيت جدتهم يستحموا عندها كل يوم.. "راشيل" كانت بتختار كل مرة مكان مختلف تركن جنبه بس بتكون حريصة إنه يكون مكان متداري وتحت إضاءة عالية عشان لو حد حب يذاكر.
لما كانت الدنيا تبقى برد بالليل وهما في العربية كانت بتشغل الماتور عشان سخونته تدفيهم.. كانوا بيتكلفتوا في حضن بعض.. توقيتات مدارس الأولاد المختلفة (صباحي ومسائي) ساعدت إنهم يعملوا ورديات إن على الأقل حد فيهم يكون صاحي. مرت الأيام وبسبب جدعنة وصبر "راشيل" وكتيبة جنودها الأربعة اللي كبروا قبل أوانهم الأمور بقت أحسن نسبيًا وبدأت تحوش تاني لحد ما قدرت تأجر أوضة في فندق وقعدوا فيها بشكل شِبه دائم.
مر كام أسبوع ولقت مبعوت لها على مكان شغلها شيك من النصاب صاحب الشقة الكبيرة بيعتذر لها إنه اضطر ياخد الفلوس ويلغي البيعة بسبب ظروف خاصة لكنه بيرجع لها فلوسها دلوقتي.. فورًا اشترت شقة جديدة وقعدوا فيها.. مر على الموقف ده 30 سنة.. جنود "راشيل" كبروا وكل واحد منهم بقى له بيته الخاص بس لا عمرهم ولا عمرها قدروا ينسوا المحنة اللي خلّتهم يعرفوا يعتمدوا على نفسهم بدون لجوء لأي مخلوق وخلّتهم برضو يعرفوا جدعنة أمهم اللي طلعت بجد بـ 100 راجل.. طب وبالنسبة لكلام وهري "جيمي".. اتنسوا كإنهم ماحصلوش.
وهو مين فينا متقالش عنه كلام عكس شخصيته لمجرد بس تشويه سمعته، أو لحسابات الغيرة اللي حركت أصحاب القلوب المريضة ضده، أو لكسب تعاطف مكذوب لطرف كان هو أصلًا أساس المشكلة بس قرر يستخدم أسلوب أسبقوهم بالصوت عشان يكسب أرضية قبل حتى ما تبدأ أنت تحكي أو تدافع عن نفسك!.
كلنا بدون إستثناء مرينا بكده.. والحل؟.. ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾.. الناس أقل بكتير من إنهم يكونوا سبب في تعكير مزاجك، أو تحديد مصيرك، أو منع نصيبك، أو تشويه سمعتك، أو تغيير إرادة ربنا.. مهما وصل أذى البشر ليك مش مطلوب منك أكتر من "صبر"، و"هجر".. وده ليه؟.. لإن ربك عالم بالنية، والقلب.