الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مسلة مصرية في نيويورك

السبت 26/أكتوبر/2024 - 05:06 م

المسلة هي عمود من الجرانيت تنتهى بطرف مدبب يشبه الهرم، كان يطلق على هيليوبوليس القديمة مدينة المسلات، وكانت النقوش المحفورة عليها مطلية بالذهب أو أحد المعادن، لتصل بأشعتها إلى معبد الشمس، لذا كان يطلق عليها الإصبع ذو الشعاع المضيء، وكانت تقام أزواج عند مدخل المعابد، وقد حرص حكام مصر القديمة على إقامة المسلات والمعابد وكتابة تاريخهم وإنجازاتهم لتظل خالدة عبر التاريخ.

وكانت مصر بها مسلات كثيرة تم خروجها بواسطة الرومان والفرس وأثناء الحملة الفرنسية وغيرهم ممن حاولوا الاستيلاء على مصر، وكذلك بسبب حالات التدمير المتعمد من المعتدين والإهمال.

وسنقص عليكم سريعا أهم ثلاث مسلات ونخص فيها بالتوضيح مسلة تحتمس التي نقلت إلى مدينة نيويورك.

فقد أهدى محمد على باشا مسلة كليوباترا لبريطانيا تكريما لانتصارها على جيش نابليون بونابرت في 1801 م، ووصلت المسلة إلى لندن في 21 يناير 1878 م، ووضع بجوارها أسدان فرعونيان على هيئة أبو الهول.

كما أهدى محمد على باشا فرنسا مسلة تعود إلى عهد الملك رمسيس الثاني في عام 1833 وكانت موجودة بمعبده بالأقصر، والمسلة تزين اكبر ميادين باريس ميدان الكونكورد الآن.

وبالقرب من قصر لاتيران توجد مسلة مصرية من عهد تحتمس نقلها الإمبراطور الروماني قسطنطنيوس الثاني إلى روما عام 357م  واستقرت في السيرك العظيم، وانهارت بعد هجر السيرك ودفنت في الطين حتى أمر البابا سيكستوس الخامس باستخراجها وترميمها ووضع صليب على قمتها، وتم تثبيتها في موقعها الحالي بالقرب من قصر لاتيران.

أما المسلة الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية في حديقة سنترال بارك أكبر حدائق منهاتن.

بدأت قصتها بفكرة أهدأ مدينة نيويورك مسلة لدعم العلاقات بين البلدين، وذلك أثناء نقلة مسلة لندن، ونقل مدير المتنزهات المستر هنري رغبتة إلى الخديوي إسماعيل، بأن يتم إهداء الولايات المتحدة مسلة، وبموجب تلك الرغبة أرسلت خطابات متبادلة بين المسؤولين فى نيويورك لاستعراض الموقف ودراسة المسلات الموجودة بمصر والتي تصلح لأن يتم اقتراحها على الخديوي، وموضحين قيمة أثر واحد من الآثار المصرية في بلادهم سيكون له قيمة كبيرة وعظيمة.

 فاقترحوا على الخديوي أن الأنسب هو نقل مسلة الإسكندرية أو أي مسلة يختارها جنابه، ونقل له شغف شعب مدينة نيويورك على كرم سموه بإعطائهم مسلة كليوباترا الثانية مثل لندن، وأنهم سيمولون مشروع نقلها لتنصب في أهم الميادين بنيويورك.

وفي قصر عابدين وبحضور الخديوي وديليسبس وفارمان وافق الخديوي مبدئيًا على إهداء الولايات المتحدة المسلة، وأنه لا يمانع بإعطائهم واحدة ولكن لن تكون مسلة الإسكندرية، وطلب من بروجش باشا أن يعطية قائمة بالمسلات المصرية ليختار واحدة منها بعد إبداء الرأي في أي المسلات يمكن الاستغناء عنها، وكان بروجش غير راضٍ عن تلك الهدية ويخشى علماء أوروبا المقيمين بمصر الذين سيعارضون هذا العمل.

وقد أبدى أيضا نوبار باشا رئيس الوزراء رغبته في إهداء المسلة وتنفيذًا لرغبة الخديوي ووسط معارضة شديدة من ميريت باشا رئيس مصلحة الآثار.

ولكن تغيير الأمور واستقالت حكومة نوبار وتولى شريف باشا رئاسة الحكومة، وطلب من فارمان القنصل العام للولايات المتحدة أن يكون هناك مخاطبة رسمية لطلب مسلة الإسكندية (مسلة كليوباترا).

لكن الأمور تعثرت أيضا مرة أخرى بسبب تنازل الخديوي إسماعيل لولي عهده توفيق عن العرش، وتولي رياض باشا رئاسة الحكومة الجديدة، فتم تجديد الطلب إلى حكومته التي نظرت الموضوع في مجلس الوزراء أكثر من مرة، وانتهوا إلى الموافقة التي وقع عليها الخديوي توفيق بمنح مدينة نيويورك مسلة الإسكندرية المعروفة باسم مسلة كليوباترا.

والأغرب في تلك المداولات هو الخطاب الصادر من الحكومة المصرية يوضح فيه موقفها على منح نيويورك المسلة، وأفردت الأسباب والتي منها أن مسلة باريس منحت إلى فرنسا عام 1830 وقد طلبوها بناء على الخدمات التي قدمتها فرنسا للحكومة المصرية، وأن المسلة كانت بالأقصر في قرية صغيرة يعيش سكانها في أكواخ من الطين، وكان ينبغي رد الهدية، وذلك كما أفردنا في عهد محمد علي باشا.

أما بخصوص مسلة بريطانيا فكانت مدفونة بالرمال وتحت أكوام من القمامة، وأن الظروف التي أهديت فيهما تختلف عن الوضع الحالي، إلا أنها تعتبر هدية تستحق لجلالة الملك جورج مقابل الخدمات والهدايا والمجاملات التي تلقاها والي مصر محمد علي في ذلك الوقت من حكومة جلالة الملك جورج.

فما الذي قدمته حكومة الولايات المتحدة للحكومة المصرية لتستحق مسلة عظيمة القيمة من مصر، سؤال تم فرضه في الصحف والرأي العام بعد بيان الحكومة المصرية.

وعلى العموم بدأ إجراء نقل المسلة إلى مدينة نيويورك، في الباخرة دسوج عام 1880 واستغرقت عملية الإنزال والشحن ثمانية أشهر، وستة أشهر أخرى لنصبها بعد وصولها فى مكانها الحالي، لتشع نورًا في مدينة كانت مجهولة ولتكون تلك المسلة التي عمرها يفوق 3000 عام شاهد على حضارة المصريين في بلاد العام سام.

مصر بلد الحضارة والتاريخ ستظل كنوزها وآثارها شاهد حي في عواصم العالم وعلى أرضها الطيبة لنقول للعالم من هنا كانت البداية لاستنارة العالم.

ونشكر كل جهد يبذل من الحكومة والمؤسسات والأفراد التي تساعد على استعادة إرثنا وتاريخنا المغتصب والمسروق في كل مدن العالم ومتاحفها.

تابع مواقعنا