الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أبو الجدعنة

الجمعة 11/أكتوبر/2024 - 03:43 م

مش دايما بيبقى الشخص مننا عنده القدرة على رصد تصرفاته اليومية اللي بقت جزء لا يتجزأ من شخصيته.. يعني إيه؟.. الكذاب من كُتر ما الكذب بقى زي اللبانة في بوقه هتلاقيه بيستنكر إنك بتتهمه بالكذب لدرجة إنه ممكن ينفي إنه قال كذا أصلًا مع إنك سامعه بودانك!.. بس هو ما سمعش.. ليه؟.. لأن التعود على الكذب بقى طبع بيقفل العقل وبيسد الودان.

الأمر مش بس في الشيء السيء لكن في الكويس برضه!.. يعني بالتبعية عمرك ما هتلاقي شخص متعود يعمل خير فاكر بالظبط كل لحظة خير عملها مع مين وعمل فيها إيه!.. هو بيعمل لله فكل اللي شاغله إنه كل ما تيجي فرصة يعمل لله وينسى لأنه عارف إن ربنا مش هينسى.

صديقي المهندس أحمد الخياط موظف في واحدة من شركات البترول في إسكندرية كان مسافر من إسكندرية لـ أسوان مع والدته في قطر الساعة 10 بالليل طلبوا عربية عشان توصلهم من البيت في ميامي للمحطة رغم إنهم كانوا خارجين قبل ميعاد القطر بساعة ونصف تقريبًا بس ولأن الطريق كان زحمة وصلوا قبل الميعاد بربع ساعة بس!.. المسافة من باب المحطة على الشارع لحد الرصيف بتاع قبلي مش صغيرة ووالدة أحمد بتتحرك بصعوبة شوية وخطوة خطوة وهي متسندة عليه بسبب متاعب صحية، وطبعًا ده غير شيلة الشنط الكتير اللي كانت معاهم.. وهو لوحده!

أول حاجة عملها أحمد لما نزلوا من العربية إنه بص يمين وشمال ودور على أى شيال ينقذه ملقاش مفيش وقت للتفكير.. خدها من قصيرها وشال في إيده اليمين 3 شنط حجمهم أكبر من المتوسط بشوية وفي إيده الشمال كيس بلاستيك فيه ميه وساندوتشات ووالدته شبكت كف إيدها اليمين في دراعه الشمال وبدأوا يمشوا.. الوقت بيمر.. ماشيين خطوة خطوة.. البوابة لسه بعيدة.. فاضل 10 دقايق.. أمه حست إنها بقت حِمل تقيل على ابنها وإنهم مش هيلحقوا بسببها فقالتله بـ أسى: (خلاص مش مهم التذاكر يا حبيبي تعالا نرجع ونسافر بكره وأهو نبقى نتعلم عشان نتحرك بدري من البيت).. "أحمد" حاول يخفف من توتر أمه وقال لها: (على مهلك مش مستعجلين يا ستى حتى لو ملحقناش القطر نخش نقعد في الكافيه اللي جوه).. كل اللي كان شاغله إنه مش عايز يحسسها إنها عِبء عليه بسبب مرضها.. كملوا مشى.. "أحمد" بيقول إنه بدأ يحس إن الشنط الكتير اللي شايلها بـكف إيده الشمال بدأت تحبس الدم في صوابعه وحس بألم بشع.. فاضل 5 دقايق.. فجأة وفي مدة لا تتعدى الـ5 ثواني سمع صوت ناعم بيقول: (يالا بينا) ومع الصوت لقى حد بيخطف الشنط التلاتة من إيده بمنتهى الإنسيابية وبالراحة خالص ومكمل مشى عادي جدًا!

من الربكة كان هيصرخ ويقول حرامي وهيفلت أمه من إيده ويطلع يجرى ورا اللي خد الشُنط ده.. بص لقاها بنت في أوائل العشرينات ماشية بهدوء من ضهرها وفي إيديها الشنط.. "أحمد" وقف متنح هو وأمه ومتحركوش!.. البنت وقفت وبصت وراها وهي بتزغر وقالت له بلهجة آمرة: يالا أنت لسه هتبص! القطر هيفوت.. بيقول رغم إنه أكبر منها على الأقل بـ15 سنة بس حس إنه عايز يسمع كلامها.. مسك إيد أمه وقال لها: يالا يا ماما.. أمه سألته: مين دى يا أحمد؟، لتكون حرامية!.. قال لها: والله ما عارف بس هيبان.. مشيوا على مهلهم وعينهم على البنت اللي بقت بتمد وبتبعد وأجسام الناس والزحمة بدأت تداريها عن عيونهم.. بصت لهم وقالت له بصوت عالى سمعوه بالعافية: (عربية كام؟، ورقم الكراسي إيه؟) رد عليها بصوت عالى بدون ما يكون شايفها: (عربية 7، كرسى 9 و10).. سمع صوتها عالي بتقول: (تمام تمام هستناكم هناك)، بيقول كل حاجة بعد كده حصلت بسرعة.. لقى واحد شيال من اللي بيجروا العربيات التروسيكل اليدوي جوه المحطة وطلب منه إن أمه تقعد على العربية والشيال يشدها.. هوب أقل من دقيقتين كانوا عند باب العربية.

كان كل اللي شاغله إنه يشوف البنت دي ويشكرها دخلوا العربية كرسي 9 و10 لقى الشنط بتاعتهم مرصوصة فوق الكراسي فل والبنت مش موجودة!.. اتلفت يمين وشمال مفيش!.. "أحمد" طول مدة الرحلة اللي هي 16 ساعة كان بيفكر مين دي؟.. عملت ليه كده؟. بدأ يفكر في تفاصيلها.. بنت رفيعة معلقة شنطة مذكرات على كتفها.. ممكن تكون راجعة من كورس أو شغل.. بس بسها كان شيك لا يتناسب مع بهدلة الشغل والكورسات.. وهو بيحيكلي سألته فجأة: حلوة؟.. رد بسرعة: مخدتش بالي إل من جدعنتها، وبعدين هو فيه جدع مش حلو!.

الفكرة إن "أحمد" نسي وهو بيحكي الموقف إن هو شخصيًا أبو الجدعنة!.. مفيش مناسبة حلوة أو صعبة إلا ويكون أول الحاضرين.. مفيش موقف بيتطلب وجود راجل إلا وتلاقي "أحمد" واقف في ضهرك.. "أحمد" في مرة قدم استقالته من شغله لأن مديره رفض يخليه يروح يطمن على صديق ثالث لينا كان بين الحياة والموت في المستشفى!.. كتلة من الجدعنة ماشية على رجلين ومبقتش موجودة في الزمن ده.. لما فكرته بجزء بسيط من جدعنته معايا ومع باقي أصدقائنا كان نسى معظم المواقف اللي بحكيها، وكل اللي على لسانه: (أنا عملت كده؟!).. كان بيسأل باستغراب حقيقي مش مزيف.. بس هو معقولة نسي؟.. أيوا طبعا نسي لأن تصرفات الجدعنة اللي بيعملها بقت طبع.. شيء بيعمله بشكل يومي وعمره ما هيقدر يحتفظ بيها كلها في ذاكرته.. قولتله في نهاية قعدتنا يا "أحمد" لو أنت شايف إن البنت اللي عملت كده معاك ومع والدتك جدعة -(وهي جدعة جدًا فعلًا بالمناسبة)- فأنت أبو الجدعنة واللي حصل منها ده رد رباني بعته ربنا من خلالها عشان يردلك جزء بسيط من اللي بتعمله مع الكل حتى لو كنت ناسيه لأن ربنا مش بينسى.

المؤذي من كُتر الأذية بينسى هو أذى مين وبيبقى الأذى بالنسباله طبع بيدوق منه كل اللي بيتعامل معاه، والشخص السوي من كُتر ما بيقدم خير لغيره بينسى هو ساعد مين وخدم مين لأن اللي يهمه مش شكر الناس لكن رضا ربنا فبيبقى فعل الخير بالنسباله طبع هو كمان.. المعادلة سهلة، وبسيطة: الخير حصاده خير، والشر نتيجته شر.. حتى لو أنت نسيت أو عملت ناسي فربك مش بينسى وهتحاسب على فاتورتك اللي هتتردلك زى ما أنت تستحق بالظبط من خلال أفعالك. 

تابع مواقعنا