فقدان السوائل يفتك بأجسادهم| نزلات معوية مجهولة تعصف بأهالي منطقتين في أسوان.. و3 سيناريوهات محتملة
نزلات معوية مجهولة السبب يعاني منها العديد من المواطنين في منطقتي أبو الريش بحري ودراو بمحافظة أسوان خلال الفترة الماضية، ما أثار حالة من القلق والخوف بين الأهالي، الأمر الذي دفع وزارة الصحة لإرسال فريق من الطب الوقائي؛ للوقف على أسباب الإصابات وتحديد ما إذا كان هناك ارتباط وبائي بين الحالات المرضية أم لا؟.
3 سيناريوهات وراء النزلات المعوية المجهولة بأسوان
وتطرح روايات الأهالي وطبيعة الأعراض المرضية المتمثلة في إسهال وقيء وغثيان، 3 فرضيات علمية تفسر أسباب هذه النزلات المعوية التي يعاني منها الأهالي في أسوان، وتتمثل في «الكوليرا، التلوث المائي، التلوث الغذائي»، إلا أن هذه الأطروحات لا تزال قيد البحث، وبانتظار بيان وزارة الصحة النهائي لتأكيد أي منهم أو عدمه.
الخميس الماضي، أعلنت وزارة الصحة نتائجها الأولية حيث نفت في بيانها، وجود ارتباط وبائي بين إصابات المرضى، وسحبت نحو 103 عينات مياه، ولم تُظهر وجود أي تغير ميكروبيولوجي أو كيميائي، لتنفي سبب الإصابة من تلوث مياه الشرب، مؤكدة أنه سيتم الإعلان عن النتائج النهائية خلال الساعات المقبلة.
نزلة معوية بعد كوب ماء من كولدير بأحد شوارع دراو
تزامن يوم صدور بيان الصحة مع إصابة محمد حسن، بقرية بنبان في محافظة أسوان، بأعراض نزلة معوية مجهولة السبب، وبحسب زعمه أن الأعراض ظهرت بعد 10 دقائق من تناوله كوب مياه من كولدير في أحد الشوارع بمركز دراو، ما دفعه للذهاب فورا إلى المستشفى العام لتلقي العلاج.
لم يكن يتوقع محمد حسن أن زيارته لأحد أقاربه المرضى في مركز دراو، ستنتهي به في نهاية اليوم طريح الفراش بقسم الاستقبال، الذي يعج بحالات مرضية مشابهة له، لدرجة أن 3 أشخاص يتقاسمون سريرًا واحدًا، والمحاليل الطبية المعلقة بأيديهم، لاحتواء مضاعفات أعراض الإسهال والقيء والغثيان التي أصابتهم.
ويروي محمد حسن لـ القاهرة 24، الأحداث التي مر بها قبل إصابته بأعراض النزلة المعوية، حيث بدأ يومه بتناول الفطور المعتاد مع أقاربه، وهي «فول، وجبنة، وسلطة»، ثم احتسى كوبًا من الشاي، وانطلق بعدها لزيارة الأهل والأقارب، وكان يعتمد في شربه للمياه على بعض الكولديرات بالشارع.
وهو في طريق العودة للمنزل، شعر محمد حسن بالعطش ليقرر شرب كوب مياه من كولدير بإحدى الشوارع، وبحسب زعمه، شعر بعدها بـ 10 دقائق بمغص ثم قيء ورجفة وعرق غزير، ما دفعه للتوجه إلى مستشفى دراو العام، ليوصي طبيب الاستقبال بإعطائه محاليل طبية، ثم حقنة لوقف القيء، ووصف أدوية لعلاج الأعراض.
أستاذ سموم يستبعد التلوث المائي ويرجح تلوث الأغذية
إصابة محمد حسن بنزلة معوية بعد شرب كوب مياه بـ 10 دقائق، هي فترة غير كافية لظهور أعراض تسمم مائي، وبالتالي ليس السبب كوب المياه الأخير الذي تناوله من الكولدير في الشارع، وهذا يتطلب الرجوع إلى ما تناوله الشخص من طعام وشراب آخر 4 ساعات قبل ظهور الأعراض، بحسب قول الدكتور محمود لطفي، مدير مركز السموم جامعة عين شمس سابقا، موضحا أن التسمم المائي أو الغذائي يكون نتيجة 3 أنواع من الملوثات، هي الكيميائية أو الفيروسية أو البكتيرية، والنزلة المعوية أحد أنواع الأعراض المرضية لها.
وأضاف الدكتور محمود لطفي، لـ القاهرة 24، أن أعراض الإصابة بملوث كيميائي أو مبيدات حشرية تظهر بعد ساعة أو نصف ساعة، ويتحدد وفقا للكمية ونوعية المادة، أما التلوث من الفيروسات أو البكتيريا فأعراضها لا تظهر في نفس الوقت، حيث تحتاج إلى وقت أطول للظهور، وهذا يعتمد على نوع المسبب والجهاز المناعي للشخص، فمثلا التسمم نتيجة البكتيريا المسببة لمرض التيفود تظهر أعراضه بعد أسبوع أو 10 أيام.
واستبعد أستاذ طب السموم بجامعة عين شمس، أن يكون مصدر الإصابة بالنزلات المعوية مياه الشرب، حيث إن حالات الإصابة متناثرة وليست على مستوى أسرة كاملة، وهو ما يرجح أن السبب تلوث غذائي أو عوامل أخرى ستحددها نتائج الفحوصات المعملية لعينات المرضى.
حالات إسهال وقيء شديدة وارتفاع في انزيمات الكلى
بحسب روايات الحالات المصابة وذويهم، أظهرت أن هناك حالات مرضية اقتصرت الإصابة على فرد واحد على مستوى الأسرة، والذي يستبعد أن سبب النزلات المعوية تلوث المياه، لكن هناك حالات أخرى أصيب على مستوى الأسرة أكثر من فردين على فترات متقاربة في نفس الأسبوع الماضي، مع اختلاف شدة الإصابة من شخص لآخر، ما يعزز فرضية تلوث المياه.
زينات ريان، 70 عاما، كانت ضمن الحالات التي أصابها المرض وحدها على مستوى الأسرة، حيث شعرت بأعراض إسهال وقيء بداية من الإثنين الماضي، واستمرت معها حتى الخميس، رغم انتظامها على الأدوية العلاجية التي وصفها الطبيب بمستشفى دراو، وهي مضادي حيوي كلاسيد، ومحلول جفاف ودواء آخر لا تذكر أسمه، ونتيجة استمرار العرض اضطر الأطباء لحجزها بالمستشفى.
أما رحمة أحمد، 13 سنة، فكان الوضع مختلفا، حيث أصيبت فجأة بإسهال وقيء شديد، الأربعاء الماضي، وبعدها بدأت العدوى تصيب الأم ثم الجدة المقيمان في نفس المنزل، دون علمهما مصدر الإصابة لتجنبه، ونتيجة تفاقم الأعراض خصوصا مع الصغيرة رحمة، توجهوا بها إلى مستشفى دراو لإجراء فحوصات طبية وخصوصا وظائف الكلى.
الأعراض المرضية التي تصيب المرضى من إسهال وقيء وغثيان، أعراضها تتشابه وتتداخل مع العديد من الأمراض ومسبباتها مختلفة ومتعددة، تحتاج لحسمها سحب عينات من القيء والإسهال للمرضى وتحليله معمليا، بحسب قول الدكتورة هدى عبدالعزيز الهادي، أستاذ الجهاز الهضمي والمناظير.
الكوليرا مرض بكتيري نتيجة ماء أو طعام ملوث
من بين الفرضيات العلمية والتخوفات بين المواطنين أن يكون سبب النزلات المعوية المجهولة هي الكوليرا، والتي اعتبرها الدكتور علاء غنام، خبير السياسات الصحية، إنها لا تدعو للقلق كما كانت في سابق عهدها بالقرن التاسع عشر، حيث انخفضت شدتها، مشددا على ضرورة انتظار بيان وزارة الصحة للكشف عن أسباب هذه الإصابات.
وأضاف خبير السياسات الصحية، لـ القاهرة 24، أن مرض الكوليرا هو مرض بكتيري ينتج عن تناول ماء أو الطعام الملوث، وأصبح علاجها في الوقت الحالي من خلال محاليل الجفاف والمضادات البكتيرية، ويمكن التعافي منها، مشيرا إلى أنه يمكن أن تصيب شخصا دون الآخر من نفس العائلة، حيث يعتمد على قدرة الجهاز المناعي لكل شخص.
وقف مؤقت للعمليات الجراحية غير الطارئة
في الوقت نفسه، أوضح مصدر طبي في أحد المستشفيات المخصصة لاستقبال حالات الإصابة بالنزلات المعوية، أنه نتيجة ضغط الحالات على 4 مستشفيات بالمنطقة؛ لجأ بعضهم لوقف وتأجيل العمليات الجراحية غير الطارئة والاقتصار على العمليات الطارئة فقط، للتمكن من استقبال واستيعاب الحالات المرضية.
وأضاف المصدر، لـ القاهرة 24، أنه جرى سحب عينات من الإسهال والقيء للمرضى في الإثنين الماضي مع تزايد أعداد الإصابات بنفس الأعراض، وبعد ظهور تلك العينات توجه نائب وزير الصحة والسكان، الدكتور عمرو قنديل، لأسوان للوقوف على سحب العينات وإجراء التحاليل المعملية.
ترجيحات بنقص الكلور بمياه الشرب وراء النزلات المعوية
فيما كشف مصدر بالطب الوقائي بمحافظة أسوان، في تصريح خاص، عن تعليمات إلى إدارات الوقائي بالمرور المستمر على محطات المياه، وسحب عينات بشكل يومي سواء من المحطات أو المنازل، فضلا عن تفعيل وضع الطوارئ، والترصد والتقصي للحالات المرضية.
ومع تصاعد التخوفات من سبب الإصابة المرضية يعود للكوليرا، استبعد مصدر مسئول في وزارة الصحة والسكان، لـ القاهرة 24، هذه الفرضية، مرجحا أن السبب يعود إلى تلوث في المياه نتيجة انخفاض نسبة الكلور بأحد المحطات المائية، وهو ينفي تصريحات المحافظ بسلامة المياه وكذلك بيان الوزارة بالنتائج الأولية.
رواية انخفاض نسبة الكلور في المياه، سادت خلال الساعات القليلة الماضية، وحيث نتج عنها حدوث خلل بالمواصفات الفنية للمياه العزبة وتلوثها، وبحسب قول الدكتور عادل عبدالعظيم، أستاذ الأمراض المعدية طب بيطري، فإن هذا اختلال ينتج عنه نزلات معوية، موضحا أن تأثير تلوث مياه الشرب يختلف من شخص لآخر وفقا لقوة جهازه المناعي، فمنهم من يصاب وآخر يمكنه تحمل الإصابة.
ولازالت أسباب النزلات المعوية التي أصابت أهالي منطقتي أبو الريش ودراو في أسوان حتى تاريخ النشر قيد التخمين وتحتمل افتراضات لا نهائية، والفيصل فيها نتائج العينات المعملية الخاصة بالمياه وعينات الإسهال والقيء من المرضى، وفي حال كان المرض ناتجا عن ملوثات أو كوليرا أو أي ما كان فهذا الأمر يحتاج إلى تحديد خطط واستراتيجيات مستقبلية وتدابير احترازية لمنع تكراره.
