يعملوها العيال
من يومين كنت في مناقشة مع صديق عزيز، كانت على وشك إنها تقلب خناقة أو قد تكون قلبت خناقة بالفعل، لولا سنين العِشرة اللي خلّت كل واحد فينا يفرمل لسانه وانفعاله على آخر لحظة قبل ما الأمور تتطور أكتر.
سبب الخلاف الأساسي هو اختلاف وجهات نظرنا فيما يتعلق بتقديم المجهود والتعب والاهتمام لكل الناس في كل وقت بنفس الدرجة، هو شايف إن عادي آه مفيش مشكلة ولو حد ماشي في الشارع طلب منه طلب حتى لو طلب صعب، فهو هيسعى ينفذهوله وهيركن أي التزامات شخصية عليه على جنب، لحد ما يخلص خدمة الحد ده، وأنا شايف إن الأولى بالمجهود والتعب والاهتمام بأقصى طاقة هما دايرة معينة وقليلة من الناس، وكل ما الدايرة توسع كل ما الاهتمام بيكون أقل لإن مش منطقي تتعامل مع شخص لسه عارفه من ساعة واحدة بس نفس معاملتك لشخص تعرفه بقالكم سنين!
لكن بالنسبالي يستثنى من كده إن الطلب يكون في متناولي بمنتهى السهولة ساعتها ممكن جدًا فعلًا أخدم أو أساعد حد معرفوش بمجرد ما يطلب، جزء كبير كمان من قناعتي دي اتكونت من خلال عدد من المقالب والصدمات اللي شوفتها لما كنت مُتبني نفس وجهة نظر صديقي زمان يعني مش وليدة يوم وليلة، وعشان أكون دقيق هما 3 مواقف كانوا السبب الأكبر في قراري ده، وكلهم حصلوا في 3 شهور متتالين وكإن القدر كان عايز يعلمني الدرس بشكل مكثف.
لظروف ليها علاقة بخصوصية موقفين منهم مش هقدر أحكيهم لكن هحكي الموقف الثالث، الموقف هو قرار شاب قريبي بالجواز من بنت زميلته في الكلية وبيحبها طول الـ 6 سنين وسنة بعد التانية كان بيتأكد هو وهي أكتر من مشاعرهم لحد ما تيقنوا في نهاية السنة الأخيرة إنهم عايزين بعض بجد وإن الموضوع أكبر من فكرة حب المراهقة والكلام ده، والد قريبي متوفى، ومعندوش إخوات ولاد بالتالي طلب مني أروح معاه عشان يتقدم، يا سلام! وهو مين يطول يكون سبب في توفيق راسين في الحلال ويقصر!
يالا بينا.. قبل ما نروح للناس طلبت أقعد معاه الأول بشكل منفرد عشان أعرف تفاصيل ظروفه بالكامل وهيكون مستعد إمتى وإيه الخطة اللي في باله عشان أكون فاهم وإحنا بنتكلم قدام والد البنت.. الحقيقة إن الولد قال لي كل حاجة بمنتهى الصراحة.
أولًا بمجرد التخرج هيفتح المحل اللي والده الله يرحمه سابه قبل وفاته وهيخليه صديلية وهيقف فيها وفرش الصيدلية بالأدوية هيكون من خلال مبلغ محترم كان متشال على جنب، بالنسبة للشقة فهيقدم على شقة من شقق الإسكان الاجتماعي بالتقسيط وبناء عليه في خلال سنة ونص بالكتير هيكون مستلمها متشطبة وآخر تمام.
واحدة واحدة كان العفش والأجهزة هيتجابوا مع سير الحال بإذن الله في الصيدلية اللي كان موقع المحل بتاعها في مكان عبقري، يعني إحنا عايزين وقت قد إيه يا فلان؟ رد دون تفكير لأنه حاسبها: عايزين خطوبة مش أكتر من 3 سنين بالكتير إن ماكنش أقل كمان، تمام.
رحنا قعدنا مع والد البنت اللي كان في قمة الذوق والاحترام ومحبتنا بانت في عينيه وفي طريقة كلامه معانا، وده ظهر أكتر كمان في القعدة التانية اللي كان معانا فيها والدة وإخوات قريبي البنات وأسرة البنت نفسها لما والدها قدم تسهيلات كبيرة فيما يخص الشبكة وتقاسم قيمة العفش بالتساوي وكمان التلاجة والتليفزيون هدية منه ليهم!.
لبسوا الدبل وتمت الخطوبة، ومع الوقت أكتر أنا ووالد البنت ورغم فرق السن الكبير بيني وبينه لكننا بقينا أصدقاء، يكلمني عشان نتفرج سوا على ماتش كورة في التليفزيون، أعدي عليه نقعد على القهوة، نخرج نتمشى، كان راجل لذيذ ومحترم ونموذج صافي من بتوع زمان مش موجود زيه في الزمن ده.
تحس كإنه أطمن إن بنته هتكون مع العيلة دي، مرت سنة، وفي نص السنة التانية بأت خلافات تظهر بين قريبي وبين خطيبته! والسبب؟ بطء غريب وغير خالي من التعمد من قريبي في تنفيذ الاتفاقات اللي كلنا اتفقنا عليها! بطء مالوش علاقة بالظروف ولا بأمور حصلت لخبطت الحسابات بتاعته.
لأ الراجل ما شاء الله كانت الأمور معاه متظبطة بشكل مثالي يمكن أفضل من اللي كان متوقعه، أومال إيه السبب؟ مشاعره اتحركت لبنت تانية بتشتغل معاه في الصيدلية وكانت زميلتهم في الكلية! والنتيجة؟ نفور تدريجي منه لخطيبته، وخلافات من لا شيء كان هو السبب فيها رغم إن البنت ماقصرتش في أي حاجة.
مع الوقت كان بيتم إشراكي كحكم بين الطرفين، مع الوقت أكتر كنت بتكسف بزيادة لإن هو الغلطان وتعبت من كُتر تغليطه، لحد ما في مرة بعاتبه على تكرار معاملته السيئة لخطيبته وإنه إذا كان مُصر على استمرار البنت التانية اللي كل المشاكل تقريبًا حاصلة بسببها فعلى الأقل يثبت لخطيبته إنها مهمة عنده ومينفعش التحول الغريب اللي بقى بينهم ده!، رد عليا بجملة في قمة السخافة.. قال: أنا شايف إن الموضوع بقى حِمل عليك، وأنا بعتذرلك إني أشركتك في الموضوع من البداية وتقدر تخرج منه وتخلينا إحنا ندير أمورنا بنفسنا.
الرد كان محرج وغير مسؤول وفي غير محله.. أنت جاي تقول لي كده دلوقتي! مش معنى تدخلي في الموضوع وإن علاقتي بالناس بقت ممتازة إني هجبرك تكمل مع البنت لو اكتشفت إنك مش عايزها بس في نفس الوقت سيبها عشان سبب منطقي ودون ما تصغر نفسك ولا تصغرني! للأسف الأمر اتطور، وقررت أخرج نفسي بره الموضوع فعلًا بس ماقدرتش لأعمل كده لأكتر من أسبوع، بعدها اتصلت بوالد البنت واستأذنته في زيارته عشان أوضح قدامه إن اللي حاصل ده كله غصب عني وسببه معيلة قريبي.
الراجل رحب بالزيارة وقابلني بلُطفه المعتاد وسألني في وسط الكلام والهزار: أنا عارفك حقاني عشان كده عايز أسألك: هو إحنا قصرنا في حاجة؟، سواء أنا أو بنتي صدر مننا شيء نستحق عليه الطريقة بتاعت قريبك؟.
حطيت وشي في الأرض وماقدرتش أجاوب بس هو فهم إن إجابتي هي مليون لأ طبعًا، حاولت أعتذرله عن أي ضيق يكون حس بيه هو أو هي واتمنيت إن ربنا يهدي قريبي عشان الموضوع كبر على الفاضي وإن الميه ترجع مرة تانية لمجاريها، يشاء ربنا إن بعد أسبوع قريبي يروح يزورهم عشان يفسخ الخطوبة، وبعدها بـ 3 أيام يخطب زميلته في الصيدلية، وبعدها بيومين وقبل ما يفوت أسبوع كامل على فسخ الخطوبة والد خطيبته الأولى تجيله أزمة قلبية بسبب الزعل ويتوفى وقلبي يتقطع بسبب حزني عليه.
لحد النهاردة أنا مش بتكلم مع قريبي ده، وماعتقدش هيجمعنا كلام تاني، بس الموقف ده علمني إن مش كل الناس هتشرفك أو هترفع راسك أو هتكون قد كلمتها.
ماتتصدرش لحد في حاجة إلا لما تتأكد إنه يستحقها، هيقّدرها، عايزها فعلًا، وهيقّدر سعيك له فيها، فكرة إنك تخوض بمنتهى الشجاعة معركة مش بتاعتك بالنيابة عن غيرك مالوش أى معنى لو غيرك ده عيل أو بيلعب أو كان لا يعنيه أصلًا إن فيه غيره قرر يآمن بموضوعه ويتصدرله فيه، من حقك على نفسك إنك ماتطلعش صغير عشان خاطر حد! فيه جملة عظيمة بتقول: لا تهطل في أرض لا تخضرّ فبعض الأراضي جافة بطبيعتها، ولا تنزل لما هو دون مقامك، ولا ترفع من لا يستحق لمنزلتك، وارسم لنفسك الحدود التي تناسبك وتلائمك.
