الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

أم اليتامى.. حكاية سيدة فقدت ابنتيها وحفيدتها في حادث القطارين وتربي 9 أيتام

السيدة عزة
محافظات
السيدة عزة
الإثنين 16/سبتمبر/2024 - 01:36 ص

حين تراها تتيقن أن لله في عباده شؤون؛ فالمرأة التي تقف شامخة كالجبال وتتحدث بجلد وهي تبحث عن لم شمل جثامين بناتها وحفيدتها في مقبرة الموتى لتطمئن عليهن بعدما ابتلاها الله حين فقدتهم ضمن حادث قطاري الزقازيق بالطبع ليست كالنساء التي نراها ويُطلق عليهن يومًا أنهن بمائة رجل، فإذا كُن هكذا فما قيمة هذه السيدة؟

فقدت ابنتيها وحفيدتها في حادث قطاري الزقازيق وتربي 9 أيتام

قبل سنوات تتخطى أربعة عقود من الزمان، كانت في ريعان شبابها، فتاة يحلف الجميع أنها كالرجال في القدرة على التحمل والعمل بين شنبات الباعة الجائلين في ردهات عربات القطارات، حتى أنها كانت مضربًا لكل مثلًا طيبًا في الفتيات اللاتي يكسبن لقيماتهن بكدٍ وشرف، قبل أن يجمعها القدر بشريكها في الحياة، إبراهيم السيد، البائع الجدع في عربات القطارات بمحيط عدد من محطات الزقازيق، والذي كان يعرفه الجميع بـ المعلم إبراهيم الأفريقي.

 

جمع الله بين عزة وإبراهيم، في قصة خلدتها ذاكرة من عاشروا الأيام وقتها صغارًا، لكن أيام العسل من الدنيا انتهت قبل سنوات ليست بالقريبة حين توفى إبراهيم تاركًا لرفيقته 5 أبناء هما ثمرة زواجهما وحبهما في الحياة، ليتبدل حال عزة وتستمر في عملها أكثر وأكثر؛ إذ كانت تعمل وترعى أبنائها حتى تمكنت من تزويجهم جميعًا، الودان تزوجا وعاشا بالقرب منها، وبناتها الثلاث اثنتين منهما تزوجن شقيقان من الإسماعيلية وعاشتا هناك.

 

أخذت أفرع شجرة عزة تكبر يومًا بعد الآخر، ومن أبنائها الخمسة أزهرت الشجرة بأفرع جديدة متمثلة في أحفادها الذين تجاوز عددهم الرقم عشرة، لكنها كرة الأيام تلعب لعبتها معها من جديد وتُبتلىٰ بموت ابنيها تاركين لها ثلاثة أحفاد يتامى.

 

من جديد وقفت الجدة موقف الرجال بعملها وحرصها على رعاية الكل وهي كبيرتهم، لكن وقفتها تلك مُنعت أن تظل بكامل قدرتها حين ان لقت قدمها اليمنى أسفل القطار يومًا ليس ببعيد عن أيامنا هذه، لكنه كان الحادث الذي خلف لديها إعاقة منعتها السير دون جهاز تستعين به في موضع الحادث بساقها اليمنى.

 

كحال من يجهاد ليظل جامدًا أمام الزمن ظلت، لكنها الأيام تلك التي كانت تخبيء لها حزنها الأعظم قبل ساعات من نهاية السبت المشؤوم؛ فاليوم كان عاديًا كغيره، لكن شيئًا داخلها كان يخبرها أن الأمور ليست على ما يرام وأن هناك ما يجب عليها القلق منه، إلا أن ذاك الشعور ظل محض قلق لديها ترفض البوح به، لكنها كذلك لا تقوٓ على تخطيه.

 

حين حضرت بناتها عصر ذاك اليوم كانت تجهز لوجبة غداء تجمع الكل نهاية اليوم، لكن فجأة عرفت العجلة طريقها إلى تصرفات بناتها وهن يلبسن كامل ملابسهن استعدادًا للرحيل في طريق العودة إلى الإسماعيلية، وحين طالبتهم بالانتظار لتناول الطعام كان الرد قاطعًا أنهن سيتأخرن، وجمعت كل واحدة منهن أبنائها في الطريق إلى القطار.

 

دقائق قليلة كرت وشعرت الأم برجفة في قلبها لا تدرك كنهها، لكنها أدركت ان ما كان يقلقها بات أقرب ما يكون من تعريف ماهيته، وما هي إلا لحظات حتى حضر أحد الباعة الذين يعرفونها من العمل في عربات القطار مهرولًا إلى المنزل يبحث عنها، حتى ألقى على مسامعها ما لا يمكن لها أن تتجاوزه طوال حياتها القادمة: القطرين دخلوا في بعض وكلهم ماتوا.

 

وقعت عبارة الرجل كالصاعقة على مسامع أم السيد، لا تدري أهي رسالة خاطئة أم أن حفيدتها التي كانت على يد صاخب العبارة غارقة في دماء إصابة ليست لها هي التأكيد لحديثه، فهرولت من فورها إلى المستشفى تسأل وتطمئن على ابنتيها وأبنائهم، وتأكد نبأ وفاة إحداهن وابنة الأخرى في الحادث ونقل الجثتين إلى مشرحة مستشفى الزقازيق الجامعي، لكن أحدهم اقترب منها ليخبرها أن ابنتها الثانية - والدة الطفلة المتوفاة - تم نقلها مستشفى الأحرار التعليمي وربما لا تزال على قيد الحياة، فكا كان من الأم غير أنها تركت المكان وهرولت من جديد إلى مكان ابنتها الثانية شيماء، وما أن وصلت المستشفى واستفسرت حتى كانت الصدمة الأكبر: شيماء الله يرحمها يا حاجة.

 

أقعدت الكلمات الأم أرضًا لا تقوى على الوقوف ثانية، لكنها بدأت تجاهد ووقفت حين علمت بقدوم الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي إلى المستشفى، وما أن رآتها حتى اقتربت منها: جثة بنتي هنا وجثة بنتها وأختها في الجامعة.. مش طالبة غير يندفنوا سوا، لتجيبها الوزيرة باحتضانها وطمأنتها: والله مش هامشي غير وطلبك مجاب.

 

فصل الوقت والإجراءات نحو خمس ساعات حتى وصلت الجثامين الثلاثة  إلى المسجد القريب من منزل الام نهاية شارع فاروق بمدينة الزقازيق، وأدى المشيعون صلاة الجنازة على الضحايا الثلاث قبل تشييع الجنازة، لكن بسن جموع المشيعين وصلت مهرولة بعد دخول الموتى قبرهن غير عابئة بكل ما يقال لها، ولسانها لا ينطق سوى بكلماتٍ مقتضبة: العوض عندك يا صاحب العوض يا حبيبي يا رب، وعادت بعدها لتبدأ رحلة كفاح جديدة في تربية أحفادها التسعة؛ ثلاثة أبناء ابنيها المتوفين، وواحدة ابنة ابنتها شيماء، وخمسة أبناء ابنتها هبة، بعدما فقدت أربعة من أبنائها ولم تعد ترجو أكثر من أن يعينها الله في تربية أبنائهم اليتامى التسعة.

تابع مواقعنا