الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

سيناريوهات المستقبل 1.. الطائرة الورقية جاهزة للإقلاع!

السبت 07/سبتمبر/2024 - 09:47 م

في صيف 2018 خلال عضويتي لمجلس النواب، بينما كان الجميع شبه منهمك في رصد ما يحدث على أرض الواقع من منجز إنشائي كشبكات طرق ومدن جديدة، قد جمعني لقاء برؤساء لجان الاقتصادية والخطة والموازنة وعدد من رجالات السياسة، حيث تمحور الحوار بيننا عن وضع الاقتصاد المصري وقتها.

ورغم أن العملية الإنشائية كانت في أوجها ومحل تفاخر من الأغلبية، إلا أنني قد تحدثت بشكل مقتضب عن مخاوفي من انعدام استدامة المسار الاقتصادي المتبع، محذرا من أن عام 2020 سيكون صعبا إذا استمر الحال كما هو عليه، خاصة وأن أموال القروض المتزايدة قد تم استهلاكها في مشروعات غير مدرة للربح وقد بدأ وقتها انحسار التدفقات من المال الساخن.

وقتها رد عليّ صديق عزيز كان يشاركنا الحوار بـ: يا محمد أنت متشائم قوي، ورغم أنني لم أجادله.. ففي العادة لست ممن يتمسكون برأيهم أو يفرضون وجاهته على الحوار، وقررت الصمت متحدثا في قرارة نفسي أنه لربما قد أخطأت الحساب وأنهم محقون!، إلا أنه قد اتضح لاحقا بعد كل هذه السنوات أنهم محقون لكن في شيء واحد وهو أن حساباتي لم تكن دقيقة للغاية، حيث إن الدورة الاقتصادية الجيدة وقتها قد امتدت فترتها عاما ونصف فوق ما حددته.

كانت حساباتي تقول تفصيلا إن الدولة سوف تدخل في مرحلة أزمة اقتصادية -دورة سيئة- لمدة تبدأ من 2020 حتى منتصف 2023، في ظل تزايد متطلباتها من العملة الأجنبية لسداد القروض وفوائدها بالشكل يفوق أقصى تقديرات متفائلة للتدفقات، لأسباب كثيرة أظن أن الجميع يعرفها الآن، لكن للأسف امتدت هذه الدورة العنيفة إلى منتصف 2024 ولم يوقفها سوى عوائد صفقة رأس الحكمة.

لذا وبينما تمر الدولة الآن بفترة هي أقرب للاستقرار عن الأزمة، قررت أن أطرح حساباتي لما هو قادم، كمن يحاول أن يتحدث من المستقبل، وهذه المرة أتمنى في قرارة نفسي أن تكون تلك الحسابات على خطأ تماما، رغم أن شواهد التجارب المماثلة محليا أو دوليا للأسف تقف في صف ما سوف أسرده من دلائل على قرب فترة اقتصادية أعنف من تلك التي تم تجاوزها.

وفكرة الحسابات على المستوى الاقتصادي تخرج تماما عن التنبؤات أو التوقعات التي ربما تخطئ أو تصيب، خاصة وأنها -اقتصاديا- تكون مبنية على أرقام وحقائق ومن غير المعقول ألا تحدث طالما أن فرضياتها سليمة وقائمة على معلومات دقيقة، لذا فمن الواجب أن تحظى بالاهتمام والتدقيق ومحاولة المعالجة.

أما عن الأرقام التي استند عليها، فسأحاول أن أسوقها بشكل مبسط جدا -حسبما معلن- قد بلغت تدفقات مصر النقدية الدولارية حوالي 74 مليار دولار منذ مارس الماضي، كمحصلة لمجموع 39 مليارا من الأموال الساخنة و24 مليارا من صفقة رأس الحكمة وحوالي 7 مليارات زيادة في تدفقات العاملين بالخارج، و1.65 مليار من صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى ما يقارب 3 مليارات قروضا من جهات مختلفة.

مكنت هذه التدفقات الدولة من تحقيق 40 مليار دولار زيادة في صافي الأصول الأجنبية بالبنوك من سالب 26.5 إلى موجب 13.5 بالمليار دولار، بالإضافة إلى ⁠11 مليارا زيادة فى الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي حيث وصل إلى 46.5 مليارا دولار بعد أن كان في مستوى 35.5 مليارا، أي بإجمالي استغلال يصل إلى 51 مليارا دولار.

وبطرح هذا الرقم من الـ74 مليارا -إجمالي التدفقات-، يتبين أن الدولة قد استهلكت مبالغ تصل إلى 23 مليارا خلال الفترة الماضية، بالطبع مع إضافة استهلاك نحو 20 مليارا حصيلة السياحة والتصدير وقناة السويس، وهو 23+20= 43 بالضبط تقريبا ما يساوي التزامات مصر الدولارية الخارجية في هذه الفترة، خاصة وأن انخفاض الدين الخارجي يماثل تقريبا الـ 11مليار وديعة دولة الإمارات التي تخلت عنها ضمن صفقة رأس الحكمة-.

يشير ذلك بكل بساطة إلى أن الدولة استطاعت أن تساير أمورها وأن توقف الدورة السيئة بفعل الأموال الساخنة والمساندات الخارجية فقط، وهو سيناريو شبه مماثل لما حدث في 2016، حينما تسبب ذلك في تحسن للمشهد الوقتي لكنه رتب ضررا بالغا لاحقا مع قدوم الدورة السيئة، وللأسف تنبه الأرقام إلى أن دورة التحسن ستأخذ وقتا أقل عما شهدناه سابقا.

الآن تقبع طائرتنا الورقية -وهو المصطلح الذي استخدمه في الإشارة إلى وضع الاقتصاد المصري- على مدرجها في مرحلة استقرار نسبي لكنها على وشك أن تحلق نحو وجهة غير معلومة خاصة وأن حركتها تعتمد على ما يحدث في الخارج أكثر منه عن طموحات محركها الضعيف، وطالما لا تزال على المدرج فهناك فرصة لتقوية هذا المحرك وهو ما أحاول طرح آلياته في هذه السلسلة.

تابع مواقعنا