الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

البلوفر المصري

الجمعة 26/يوليو/2024 - 04:02 م

بما إننا دايمًا بنجري على الشخصيات الأجنبية الأسطورية الخارقة وبنعتبرهم في مرحلة طفولتنا مثُل عُليا لينا وبنكبر وهما في عيوننا ناس مابيغلطوش وبنتمنى نطلع زيهم رغم إنهم بعيدين كل البٌعد عن ثقافتنا أو أخلاقنا أو تربيتنا، فتعالوا نتكلم النهاردة عن بطل مصري أصيل وقصته الحقيقية تستحق تتقال واللي هو نفسه يستحق كل المحبة والفخر.

في الستينيات ولو كنت واعي شوية للفترة دي وأحداثها أو حد عندك في البيت كان في مرحلة المتابعة للأحداث اللي شدت عيون المصريين، أكيد هتكون سمعت عن قصة الطفل مجدي فرحات، واللي كتب عنها أكتر من مرة الباحث الأستاذ أيمن عثمان.

 مجدي طفل مصري جميل كان في التوقيت ده عنده 10 سنين، وبيدرس في الصف الخامس الإبتدائي في مدرسة بلال الابتدائية في ميت نما في شبرا الخيمة!.. لحد هنا تمام.. اللي مش تمام بقى إن في يوم طلبت والدة مجدي منه إنه يخرج يشتري ليها خميرة.. الطريق من البيت للمكان اللي مجدي هيشتري منه كان بيقطعه شريط السكة الحديد.. طب وماله الواد هيعدي عادي.. أيوا ما هو ده اللي حصل فعلًا خصوصًا إن ماكنش فيه إلا عدد محدود جدًا من المزلقانات في الفترة دي فكان اللي عايز يعدي بيقدر يعدي بسهولة.

مجدي وهو بيمر بين القضبان شاف قضيب مكسور في سكة القطر المجري اللي رايح من القاهرة لإسكندرية!.. الولد ركز أكتر في الكسر ولقاه كفيل بإنه يقلب القطر.. الفكرة إن معرفة الولد النسبية بمواعيد القطارات خلّته فاهم إنه قدامه دقايق قبل ما القطر المجري يوصل وللأسف يتقلب!.. أيوا حجم الكسر ده كفيل إنه يقلب القطر في ثانية ويضيع حياة حوالي 1000 راكب.. في المواقف اللي زى دي وبالنسبة لعقلية طفل في السن ده مش هيكون في البال إلا حل واحد بس وهو إنه يجري ينده حد ييجي يشوف المصيبة دي.. طب هو عقبال ما يجري يدور على حد هياخد وقت قد إيه؟.. ولو جه حد فعلًا هيعمل إيه يعني؟.

أسئلة كتير جت في بال مجدي اللي ماضيعش وقت كتير وراح قالع البلوفر بتاع وشبكه في عصاية وابتدى يجري في الاتجاه اللي القطر جاى منه!.. بتعمل إيه يا مجنون؟.. قال لك أنا هجري بأقصى سرعتي عشان أشاور للسواق بتاع القطر إنه يقف بس هعمل كده بعيد عن مكان الكسر عشان ألحقه قبل ما ييجي.. طبعًا بالمعايير العقلية والجسمانية مفيش إنسان بيسبق قطر حتى لو كانوا جايين في اتجاهين قصاد بعض.

بس اللي حصل إن مجدي كان بيجري بشكل هستيري لحد ما نفسه اتقطع حرفيًا، لحد ما لمح القطر جاي، هنا في اللحظة دي ابتدى مجدي يشاور بالبلوفر بتاعه بحركات سريعة وكل اللي بيتمناه من ربنا إن السواق مايعتبرش اللي بيعمله ده لعب عيال أو شقاوة، ماتعرفش السواق انتبه له ولا لأ وهو نفسه ماكنش متأكد إن السواق شافه لا لأ فقرر مجدي يعمل تصرف أكتر جنان من اللي فات، ابتدى يجري على القضيب في اتجاه القطر وهو بيتنطط وبيشاور بالبلوفر، اللي هو لو كنت أنت يا عم السواق ماشوفتنيش عشان كنت واقف لك على جنب فأنا أهو جاى قصادك وأكيد هتشوفني!.

وهنا لمحه السواق اللي حس بفطرة أبوية إن فيه حاجة فوقف القطر بمعجزة وبصعوبة ونزل هو والركاب عشان يشوفوا إيه الحكاية فكانت المفاجأة إن الطفل بلغهم بموضوع كسر القضيب اللي لسه هيقابلوه قدام، الناس طارت من الفرحة وماحدش كان مصدق إن العيل الصغير اللي بمعايير ناس كتير لسه ماطلعش من البيضة كان بالدرجة دي من الشجاعة وحُسن التصرف لدرجة إنه مافكرش في سلامته ولا نفسه!

مجموعة ضخمة من الهدايا بدأت تتبعت على بيت مجدي، ومصلحة السكة الحديد كرمته بشهادات ورحلة لأسوان وكتبت عنه كل الصحف والمجلات وقتها باعتباره طفل مصري شجاع وعظيم.

صورة توضيحية لـ الطفل مجدي في تجسيد للموقف

الحياة مستحيلة بدون شجاعة، شجاعة الاختيار بين طريقين هما الاتتين أصعب من بعض أو أحلى من بعض، شجاعة إنك تمشي من مكان مش مقدرك، شجاعة وضع حد لنهاية قصة متعبة رغم علمك بالألم اللي هيترتب على قرارك ده بعدها، شجاعة الاعتذار لما تغلط، البشر من بداية الخلق ولحد نهاية الكون كل نجاحاتهم مرتبطة بخطوة شجاعة اتاخدت في وقت صعب وعملت إعادة ترتيب للأمور ووضعتها على الطريق الصح.

مفيش نبي رسالته كملت بدون شجاعة المواجهة، ومفيش شخص ناجح ماكنش عنده شجاعة استخدمها في وقت معين فشقلبت حاله للأفضل، التأخير، اللكلكة، التطويل، والمط لا بيقدموا ولا بيأخروا، ولا بيفتحوا بيوت، ولا بيبنوا مستقبل، ولا بيحافظوا على علاقات، الشجاع مابيفكرش مرتين، والشجعان بس هما اللي بيكتبوا النهايات السعيدة في كل الحواديت لنفسهم ولغيرهم، فيه مقولة عبقرية بتقول: إذا لم تتحلوا بالشجاعة فاحذفوا نصف أمنياتكم.

تابع مواقعنا