الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

حكايات من كمبوديا

الجمعة 19/يوليو/2024 - 08:53 م

يسير الطغاة فى خيلاء وكبرياء، ويمتلكهم الغرور والاستعلاء والعظمة، لا يسمعون إلا صوتهم ولا يصغون إلا لمصالحهم.

وغاب عنهم أن لتلك البداية نهاية واحدة، وهى الغدر بهم والقتل، والتاريخ مليء بهؤلاء الطغاة، لكنهم ينسون أن نهايتهم المحتومة ستكون مؤلمة وقاسية.

ومن هؤلاء الطغاة بول بوت الذى قاد الخمير الحمر، في انقلابهم عام 1975 فى كمبوديا، وأسقطت نظام المارشال لون نول.

 وكان يقود بوت الحزب الشيوعي من عام 1963 حتى 81، وتولى رئاسة الوزراء بعد انقلابه 1975 وحتى 1979، وأصبح الحاكم الفعلى وصار ديكتاتور.

وقد اشتهر بول بوت وعصابته بسياسات قمعية مثيرة للجدل، فأجبر سكان الحضر على التهجير القسري إلى الريف، وحرق بيوتهم حتى لا يترك لهم أي أمل في العودة إلى منازلهم، بعد أن تم تجريدهم من ممتلكاتهم بحجة الهروب إلى الغابات خوفا من قاذفات الطيران الأمريكية، بل جففوا منابع المياه في الحضر أيضا، واقتلعوا أشجار الفاكهة، وفرقوا بين أفراد العائلة الواحدة.

وبما أنهم كانوا يقدسون الأعمال الزراعية، اعتبروا الفلاح هو الشخص الأهم فى دولتهم الجديدة، واقتادوا الجميع إلى العمل في الحقول الجماعية في الزراعة فقط، لساعات طويلة تصل إلى 18 ساعة يوميا دون راحة.

ولم يكتف بول بوت وعصابته بذلك، بل كان يريد تطهير شعبه من آثار الحضارة الغربية والعودة إلى تقاليدهم وطقوسهم القديمة، فبدأوا بتصفية كل المثقفين وكل من يقرأ ويكتب، فأغلقوا المدارس والمستشفيات، ومنعوا الأدوية وعادوا إلى التداوي بالأعشاب، ما أدى إلى موت كثير من الكمبوديين من الجوع والمرض بسبب انتشار الأوبئة.

كذلك تم إغلاق المصانع وكل المصالح الحكومية، ووصل الأمر إلى قتل من يلبس نظارة طبية بدعوى أن من يرتديها يعد متعلما، وقتل كل صاحب مرض أو إصابة.

 أرادوا تجريد الشعب من كل شيء حتى يتم تحويله إلى آلة مطيعة لأوامرهم، فحرموا عليهم الأكل من ثمارغرسهم،  وكان جزاء ذلك القتل باعتباره ملكية عامة.

وحرموا عليهم السلام والتحية والقبلات بين أفراد العائلة الواحدة، ليقضوا على العلاقات الأسرية، فكان يضطر إلى إعدام الابن لو دمعت عيناه، أو أبدى أي نوع من التعاطف عند رؤيته مقتل أبيه أو أي فرد من عائلته،  وحظر الأديان وأي مظهر ديني في البلاد.

واعتقلوا المسلمين والمسيحين والبوذيين، في معتقلات كبيرة، ومارسوا ضدهم التعذيب حتى الموت.

كان الموت يتم بفأس، لأن الرصاصة كانت أغلى لديهم من تلك الروح المهدرةـ أو من خلال سحبهم إلى حقول الموت وحفر قبورهم بأيديهم ودفنهم أحياء.

وتشهد المقابر الجماعية على مقتل ملايين من الشعب الكمبودي على أيدي زبانية بول بوت.

وكانت هناك متاحف كبيرة من تلك الجماجم لأناس لقوا حتفهم غدرا، على أيدي نظام قاتل فاشيستي، وتم قتل الكمبوديين  بسبب نظرية شيوعية بائسة، أو القتل تحت شعار طبقي، وطبقا لمعتقداتهم يرون أن الفلاحة هي من توصلهم إلى الفردوس المنشود.

ويقال إن عدد القتلى فاق 3 ملايين مواطن أو يزيدون، فقد أباد بوت ثلث شعبه، وكان يرى ويردد دائما: إن كانت كمبوديا 7 ملايين نسمة، فيكفى فقط مليون نسمة لتحقيق غايتنا.

ووسط الفوضى العارمة من القتل والتعذيب وسفك الدماء المباح لأرواح الكمبوديين، انطلقت الحرب الفيتنامية الكمبودية بسبب اعتداء عصابة بوت على القرى القريبة من  حدود كمبوديا، وقتل أكثر من 100 ألف فيتنامي، وكثر اللاجئين الكمبوديين الفارين من جحيم بول وعصابته من الخمير الحمر.

 كان يدعم  فيتنام، الاتحاد السوفيتي، بينما تايلاند تساند الخمير الحمر وتقدم لهم السلاح، والولايات المتحدة تقدم الدعم العسكري للحركات المتمردة، والصين فى مناوشات مع فيتنام.

 وعندما أعلنت فيتنام انتصارها على الخمير الحمر، تم شكيل حكومة موالية لها في كمبوديا، وهروب بول بوت إلى الغابات، وتم مطاردته حتى تم القبض عليه وتقديمه للمحاكمة وللأسف مات بالسكتة عام 1998، وهو تحت الإقامة الجبرية، واستمر هروب عصابته في الغابات حتى تم القبض على زعماء الخمير الحمر وتحديد إقامتهم.

وبعد القبض عليهم، بدأت الأمم المتحدة بمحاكمتهم على  جرائمهم ضد الإنسانية، وكل الجرائم البشعة والمجازر التي ارتكبوها ضد الكمبوديين، وانتهى الخمير الحمر باستسلام تاموك وأسر باقي أفراد عصابته عام 1998.

ولكن لن ينسى الشعب الكمبودي أبدا تلك الفترة الدموية وما بعدها من صراعات بين الفصائل الكمبودية، وزرع آلاف الألغام في الحقول والتي لا تزال تطيح بأرواح الفلاحين البسطاء المسالمين.

ولنا أن نعرف أن لكل ظالم نهاية حتمية، وأن الظلم مهما طال سيأتى له يوم ويندثر إلى غير رجعة.. وسيذكر التاريخ بكل سوء  كل طاغية قاتل، وسيستمر شعبه في صب اللعنات عليه دائما.

تابع مواقعنا