التفكير الصفري
نجد أحيانا موظفا يريد أن يربح راتبا جيدا ويفوز بمكافأة ويكسب ترقية ويستفيد بعطلة مدفوعة الأجر، وفي المقابل لا يقدم أي شيء للمؤسسة التي يعمل بها، ويعتقد هذا الموظف أن مكاسبه لا تتحقق إلا بخسارة الآخرين «زملاء العمل»، وفي نفس الوقت توجد مؤسسات تريد من الموظف العمل بكفاءة وأمانة والتزام بالمواعيد وتحقيق "التارجيت" لكن بدون راتب، هذا «تفكير صفري» من المؤسسة وصاحب العمل الذي يريد أن يكسب بدون أن يعطي الموظف حقه، وقد يصل الموظف صاحب التفكير الصفري إلى درجة يدمر فيها زميله في العمل أو يشوه سمعته من أجل الحصول على ترقية أو مكافاة، وأيضا هناك بعض المؤسسات التي ترى في تدمير الطرف الآخر المنافس لها تحقيقا للربح.
التفكير الصفري في العلاقات
العلاقات الإنسانية خُلقت للراحة وليس للصرعات، فالإنسان يحتاج للعلاقة الصحية والإيجابية التي يشعر فيها مع الطرف الآخر بالسعادة والدعم المعنوي والراحة في التعامل، ويحتاج للعلاقة الإيجابية التي تشعر الإنسان بأهمية وجوده والاحترام المتبادل بين الطرفين، ومن سوء الحظ عندما يدخل الإنسان في علاقة مع إنسان تفكيره صفري، هذه العلاقات الصفرية تجد فيها طرفا كريما يدعم ماديا ومعنويا ويبادر في كل شيء، وطرفا آخر تفكيره صفري صاحب شعار «أربح كل شيء من الطرف الآخر وغيري يخسر كل شيء»، هذا الطرف يستقبل ولا يقدم للطرف الآخر أي شيء، هذه العلاقة الصفرية دائما في النهاية تؤدي إلى الشعور بعدم احترام الطرف الآخر لك، وعدم الاستجابة لمطالبك، وبتدني الثقة بالنفس بما يخص العلاقة، وبالشعور بأنك «غير مفهوم من الطرف الآخر»، والشعور بالتهديد بشكل مستمر، والشعور بانعدام الطاقة أو الغضب الشديد بشكل متكرر عند الوجود أو الحديث مع الطرف الآخر الذي يفكر بشكل صفري، وقد تكون هذه العلاقة مع صديق أو قريب أو أحد أفراد العائلة أو شريك حياة، فهي لا تقتصر على علاقة معنية.
التفكير الصفري في السياسة
حتى في السياسية يوجد التفكير الصفري، وأكبر تفكير صفري بين الدول يتمثل في "الاحتلال" والمثال الحي هو أهل غزة حيث خرج أحد مسؤولي الكيان الصهيوني بكلماته المتطرفة «لا يوجد أبرياء في غزة يجب إنهاء وجودها» فالفكر الصهيوني هو فكر صفري من الدرجة الأولى قائم على احتلال كل شيء وإبادة كل شيء حوله من أجل بقاء الكيان.
وتجد في بعض الدول المواطن الصفري الذي لا يشارك في أي انتخابات أو مبادرات حكومية، أو حتى يحافظ على الممتلكات العامة، ودائما يعدد لك سلبيات وطنه ولا يري فيها إيجابية، ويتذكر أن لديه حقوقا على الوطن، وهذا جيد، ولكنه ينسى أن عليه واجبات، وفي نفس الوقت يريد وطنا ودولة متقدمة وخدمات حكومية، لكن المواطن الصفري والدولة المتقدمة لا يجتمعان.
الخسارة الحتمية
من يفكر تفكيرا صفريا سوف يصل في النهاية للخسارة، ومن يريد أن يربح كل شيء سوف يخسر حتما كل شيء، وقد يؤدي التفكير الصفري إلى صراع حتميّ الانفجار، طاقة من الغضب ضد الطرف صاحب التفكير الصفري، فليس من المنطق تدمير طرف من أجل بقاء طرف آخر، أو أن يترك صاحب العمل موظفا دون إعطائه المقابل المجزي، كما لا يمكن أن يظل الموظف دون عطاء للمؤسسة لأنها سوف تستغني عنه في النهاية.
كذلك العلاقات، فلا تستمر علاقة يعطي فيها طرف يعطي الأمان والاهتمام والاحترام، في مقابل أن الطرف الآخر تفكيره صفري ولا يعطي شيئا، ومن الغباء أن يكون تفكيرنا صفريا، لأن طبيعية العلاقات لكي تنجح تحتاج الأخذ والرد (خود وهات)، وبخاصة في العلاقات الإنسانية بين البشر، أما العلاقة القائمة على التفكير الصفري فمصيرها الخسارة الحتمية، لأن من يفكر تفكيرا صفريا عليه التراجع أو استقبال الخسارة الحتمية.
التفكير الصفري إذًا هو التفكير القائم على الخسارة، حيث يكون مكسب الشخص هو خسارة شخص آخر، فهو يتبنى شعار «أربح كل شيء من الطرف الآخر وهو يخسر كل شيء»، كما أنه ناتج عن ثقافة أو تربية أو بيئة لا تخلو من هذه الأفكار، وأصبحنا نجده اليوم في كل شيء، في العمل والسياسة والاقتصاد وفي العلاقات الإنسانية والاجتماعية.