خطبة الجمعة عن الحج المبرور مكتوبة.. اجتنبوا شيطان العصر الحديث
يترقب المسلمون غدًا الجمعة الاستماع إلى خطبة الجمعة عن الحج المبرور في شتى بقاع الأرض وخاصة من الحرم المكي وخلال اجتماع الحجاج لصلاة الجمعة في مكة، في اليوم الثامن من ذي الحجة “يوم التروية”، لتكون بداية أيام الحج المبرور الذي ليس له جزاء إلا الجنة، وعبر القاهرة 24 نستعرض نموذجًا مكتوبًا لـ خطبة الجمعة عن الحج المبرور وأخرى مسموعة.
خطبة الجمعة عن الحج المبرور
تكون خطبة الجمعة عن الحج المبرور، على خطبتين يبدأ الإمام الأولى عقب الأذان مباشرة ثم يتوقف قليلا تاركًا المجال للمصلين للدعاء السريع، ثم يستكمل الخطبة الثانية قبل أن يهم بصلاة ركعتي الجمعة.
ونستعرض فيما يلي نموذج لخطبة الجمعة عن الحج المبرور
الخطبة الأولى
إن الحمد لله ذو الكمال والقدرة، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهدِه الله فلا مُضِلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد عباد الله
هنئيًا لمن اختاره ربه من فوق سبع سنوات ليتنعم بمناسك الحج، ويباشر المناسك دون كثير من خلق الله الذين تهفو قلوبهم إلى البيت الحرام، فالحج الركن الوحيد من أركان الإسلام الذي التصق به شرط الاستطاعة لأدائه، فمن فاز بالحج فاز فوزًا عظيمًا ولاسيما الحج المبرور الذي قال عنه النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".
ولنعلم عباد الله أن الحج ليس مجرد زيارة للبقاع الطاهرة، فالزيارة جبر للقلوب أما الحج المبرور فهو لبابة القلوب والأبدان، طهارة للسان والبدن والقلب والنفس من ذنوب سائر الأعوام، لتعود كيوم ولدتك أمك طاهرًا من الذنوب.
والحج على المقتدر فريضة واجبة يُحاسب عليها كما دل عليه كتاب الله -عز وجل- في قوله -سبحانه-: "وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِين"، وقد خطب النبي -صلى الله عليه وسلم- في الناس فقال: "أَيُّهَا النَّاسُ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا". فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّه؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاَثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ -ثُمَّ قَالَ- ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ؛ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ".
والحج المبرور هو كامل الأركان ومستوفي الشروط، فالله غني عن عبدٍ أحرم ليقال له حاج، بل الحج طهارة للنفس من شهوات الدنيا وتعايشًا ليوم الحساب، حج لا يخالطه شيء من المأثم، لا رياء فيه، ولا سُمْعَة.
فبداية من ارتداء ملابس الإحرام التي تكفن الذنوب، وحتى كل منسك من مناسك الحج تتساقط المعاصي والآثام إن صلحت النية والعمل معًا، أما من يُرائي الناس فأنى يُقبل منه؟. فقد يعتري الحج ما يخرجه عن وصف البر، فمن الحج ما يجزئ عن صاحبه، ومنه ما يتحصل به الحاج على الثواب دون جزاء الحج المبرور، ومن الناس من يحج حجًا مبرورًا جزاؤه الجنة، فأي صنف تريد؟.
عباد الله.. من شروط الحج المبرور أن يكون خالصًا لله تعالى لا يريد رياءً ولا سمعة، وأن يكون موافقًا لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- عندما قال "لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لاَ أَدْرِى لَعَلِّى لاَ أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ"، وهدي النبي كله خير والاجتهاد فيه زيادة في ثواب الحاج.
ومن أهم شروط الحج التي ذكرت أولا في القرآن الكريم وفي صدارة ذكر الحديث قوله تعالى "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ" والفسوق هو الانشغال عن ذكر الله وارتكاب المعاصي، من نميمة وحسد وانشغال بالهاتف الذي أصبح شيطان العصر ليسرق من المؤمن حجه المبرور.
وحينما ذكر الله الجدال ضمن مبطلات الحج، ما كان ذلك إلا لشدة ما يُحدثه من خصوم وكراهية بين المسلمين، فالحاج يزور بيت الله ليغتنم المغفرة وثواب الجنة لا أن يلغو ويتجادل فيما قد يسبب الكراهية والشجار مع أخيه المسلم الي هو الآخر طالب للحج المبرور.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ؛ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ"، فاجتناب المعاصي والآثام سواء كان في القول المحرم كالغيبة النميمة والكذب، أو الفعل كجماع الزوجة أو النظر إلى النساء وما أشبه ذلك، يمحو من كتابك جميع الذنوب لتعود كيوم ولدتك أمك تخط بيدك الحسنات تلو الحسنات بعد حجك المبرور.
ومن أهم مفسدات الحج في العصر الحديث، ما أصبح الناس عليه من استبدال الهاتف بالمصحف، فأصبحنا نرى جبل عرفات وقد استبدل الحجاج قراءة القرآن من مصاحفهم بالهاتف الذي يجر المسلم إلى أبواب الفسوق دون انتباه منه، وقد روى أبي هريرة -رضي الله عنه- فقال: سُئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حجٌ مبرور"، فأين البر مع وجود هاتف يحتوي من الآثام ما يشغل الحاج عن أهم عبادة قد لا تتكرر في حياته!.
عباد الله.. اغتنموا العشر حجيجًا وغير حجيج في مرضاة الله، فوالله الذي لا إله إلا هو لا يقسم في القرآن المولى إلا بما هو عظيم حقًا، فما قوله تعالى "والفجر وليال عشر" إلا إعلانًا للمؤمنين بجائزة السماء لهم، عشرة أيام من المغفرة والعتق من النيران والأجر العظيم والعمل الصالح الذي ينتهي بهم إلى الجنة.
أسأل الله لي ولكم المغفرة والرضوان توبوا إلى الله واستغفروه لعلكم ترحمون…
الخطبة الثانية
الحمد لله متمم الإسلام، ومحقق في القلوب الإيمان، وأشهد أن محمدًا المصطفى صلى الله عليه وسلم هادي الأمم وخاتم المرسلين، أما بعد.. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"، وذلك لأن الحج المبرور يهدم ما كان قبله، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الإِسْلاَمَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ".
والحج المبرور ينفي الفقر والذنوب، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَابِعُوا بَيْنَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ؛ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الجَنَّةُ".
فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن التقوى هي زادكم في هذه الدنيا للدار الآخرة، فاحرصوا على الطاعة والعبادة، واختموا أعمالكم بالصالحات لتفوزوا يوم العرض على الله.
وفي موسم الطاعات لا يفوت من لم يأذن الله له بالحج أو العمرة أن يغتنم الدعاء يوم عرفة باعتباره فرصًا جديدة للتوبة هي أشبه بمحطات تنقية وتطهير لأعمالنا، لقوله صلى الله عليه وسلم "صيامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ".
كذلك في عيد الأضحى لنا نفحات تدخل السرور علينا وعلى أهالينا، "فمن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب" كما قال رب العزة تبارك وتعالى، وهو أمر مباشر أن تظهروا البهجة بعيد الأضحى، ومن مظاهر تلك البهجة أضحية العيد للمقتدر والتي يفرح بها الفقير، كذلك تهنئة بعضكم بعضًا والدعاء بقبول الأعمال الصالحة.
ولتعلوا أصواتكم بالتلبية في هذه الأيام التي تعج فيها أرض الحرم بالحجيج من كل حدب وصوب جاؤوا من كل فج عميق، تصدح ألسنتهم: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك".
أسأل الله تعالى لي ولكم زيارة بيته الحرام والتلبية بعد إحرام وأن يرزق كل سامع مغفرة للذنوب وطهارة للقلوب من المآثم والمعاصي وأن يمن على المسلمين بالأمن والسلم أبد الآبدين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم وعلى آله أجمعين.