الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اقبلوا صدقة الله

الجمعة 05/أبريل/2024 - 06:03 م

يقول الحق - سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات/ ٥٦، ولذلك كان النداء الإلهى الأول في القرءان الكريم، في أوائل سورة البقرة من الله - تعالى - إلى الناس جميعًا بأمره: ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة /٢١، ثمَّ أرسل الرسل ليدعوهم إلى توحيده وعبادته، بما شرع على لسان أنبيائه ورسله وفي كتبه التي أنزلها عليهم.

 وأكرمنا الله - سبحانه وتعالى - بأن أرسل إلينا سيدنا محمدا - صلى الله عليه وسلم -، وجعله خاتم النبيين، وجعلنا خاتمة الأمم، وأنزل عليه القرءان خاتم الكتب، ومعجزة الإسلام - الخالدة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أحواله،  قولًا وفعلًا وخلقًا، يمثل البيان العملي للقران الكريم، فكان قرانا يعشى على الأرض، كما وصفته أم المؤمنين السيدة (عائشة) - رضى الله عنها.
 

- هذا ومن القرآن والسنة كانت أحكام وأدلة الشريعة الإسلامية التي يتعبد المسلمون بها، وإن كان هناك أدلة أخرى قررها العلماء، إلا أن مردها إلى الكتاب والسنة، ومن أهم المبادئ نادى بها القرءان والسنة، وقام عليها التشريع الإسلامي مبدأ: (التيسير ورفع الحرج)، فإن الله عز وجل - لم يفرض علينا ما فرض إعناتا وحرجا، وهذا يدلنا على عظمة رحمة الله بنا، ومزيد علمه وحكمته، إذ إننا خلقه وصنعته، وهو أعلم والطف بحالنا: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك/١٤، والله - سبحانه - يعلم أن عباده المكلفين بالأحكام الشرعية من طهارة وصلاة وصيام وحج... وغيرها متفاوتون في قدراتهم عقلًا وجسدًا، كما أن أحوالهم ليست ثابتة بل تختلف وتتغير، فحال الصحة يعقبه المرض وحال الشباب يعقبه العجز والشيخوخة، وحال الإقامة يعقبه السفر، وحال الغنى يعقبه الفقر ولو كانت الأحكام الشرعية دائرة على المكلف ومطالب بها في كل أحواله، دون مراعاة لهذه الحال، أو التماس العذر لما اعتراه من أحوال، لكان في ذلك حرج ومشقة وعنت عليه، وهذا ما ألمح الله عز وجل إليه في الكثير من آيات القرآن الكريم، وكذلك في الكثير من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم يقول الله - عز وجل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكر العسر) البقرة، ويقول: ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) المائدة/ ويقول: ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج..) الحج، ويقول رسولنا الكريم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه..)، ويقول: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)، وورد في هديه المبارك أنه كان في كل أحواله يميل إلى التيسير والتخفيف، وفي الحديث عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - قالت: (ما خبر رسول الله بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه)، والمراد: أمور الدنيا، لأن أمور الدين لا إثم فيها، وكان يأتيه السائلون في الحج يسألونه عما وقع لهم من تقديم بعض المناسك على بعض، فيقول: (افعل ولا حرج، افعل ولا حرج )، التماسًا لليسر والتخفيف، ودفعا للمشقة عن الناس. 
ومن هنا نعلم أن الله - سبحانه - فرض على عباده الفرائض أو كما يطلق عليها (العزائم)، جمع عزيمة ليؤديها المكلف في وقت معين، عندما يكون فى حالة معينة، وبكيفية معينة، ولكن هذه الحالة قد يعتريها تغيير، ولذلك تجاوز الله رحمة منه بعباده، والتماسا لأعذارهم عن أداء العزيمة بكيفيتها وفي وقتها إلى الدرجة التي تناسب حالهم وعذرهم من مرض أو سفر أو كبر سن ونحو ذلك، وهذا ما يسمى بالرخصة: وفي الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يجب أن تولى عزائمه)، وهذا الحديث يبين سعة رحمة الله ولطفه
بعباده.

 كما أنه يعتبر قطعًا لدابر المتشددين والمتعنتين، فإن التقرب إلى الله بأداء الفريضة فى حال العزيمة أو حال الرخصة سواء، فكلتاهما تنفيذ لأمر الله - تعالى -، وليست حال العزيمة بأحب إلى الله أو أكثر أجرًا عنده من حال الرخصة عند وجود عذر من الأعذار التي قررها الشرع.
- ومن أمثلة الرخص التي أعطاها لنا الشارع الرحيم الحكيم:
أولا: التيمم بالتراب عند فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله لمرض أو شدة برد ونحو ذلك، فهنا ينتقل الإنسان من الوسيلة الأصيلة فى الطهارة وهى(الماء)، إلى الوسيلة البديلة، وهي التراب التي رخص الله فيها عندما قال (... وإن كنتم مرضى أو على سفر أوجاء أحد منكم من الغاىط أو للمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه..) المائدة / ٦، ومن تشدد واستخدم الماء فآذى نفسه، فقد ارتكب خطئًا وحملا ووزرا كبيرا.
ثانيا: القيام في الصلاة هو الأصل والعزيمة، ومن صلى جالسا أو متكئا أو نائمًا لعذر شرعي، فصلاته صحيحة  مقبولة، ولا حرج عليه.
ثالثًا: من أفطر في رمضان لعذر شرعي كمرض أو سفر بضوابطه المعروفة والمقررة شرعا، فقد أخذ بالرخصة التي أعطاه الله إياها
رابعا: المرأة في حال العذر الشرعي (الدورة الشهرية)، أو في حالة النفاس بعد الولادة، أو في حالة الحمل والإرضاع، وهي أعذار خاصة بالمرأة، فقد رخص الله لها في الفطر في رمضان، ورخص لها في ترك الصلاة فى أيام العذر الشهري أو النفاس، رعاية لحالتها، وبعد انتهاء العذر فإنها تقضي ما أفطرت، ولا تعيد الصلوات التي تركتها، وهذا يسر وتخفيف من الله، وعند قضاء هذه الأيام فإنها مخيرة بين قضائها متتابعة، لتكون صفة القضاء على نفس صفة الآداء، لأنها أفطرتها متتابعة، ولها أن. تقضيها متفرقة في بحر السنة كلها إلى شهر شعبان القادم.
 

وهناك أمران نريد أن نلفت الانتباه إليهما ليكون الناس
على بينة منهما:
أولهما: يجوز للمرأة أن تتناول دواء بؤخر الدورة الشهرية حتى تتمكن من صيام رمضان کاملًا، ولكن ينبغى أن يكون ذلك بإشراف ورأى طبيب مختص، والأولى – والله أعلم _ أن تترك طبيعة الخلقة الإلهية فى جسدها، فهذا أمر كتبه الله على بنات حواء، وله فوائد  لجسم المرأة، وتغيير هذه الطبيعة يسبب أضرارا، ولأنها خلقة الله التي خلق الله المرأة عليها، فقد تجاوز عنها وأباح لها الفطر.


ثانيهما: هناك بعض الناس من أصحاب الأعذار الذين رخص الله لهم في الفطر في رمضان ( رجالًا ونساء ) يتحرجون من الأخذ بالرخصة، خاصة (النساء)، فتظن أنهاإن أفطرت - ولو بعذر  بين الصائمين تكون مخطئة، فتظل ممسكة طوال اليوم عن الطعام والشراب، ولا تفطر الا قبيل المغرب بدقائق معدودة- ولهؤلاء نقول: (اقبلوا صدقة الله)، واسمعوا حديث سيدنا عمر بن الخطاب عندما جاءه رجل وسأله عن قوله تعالى في رخصة قصر الصلاة: (وإذا ضربتم فى الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم إن يفتنكم الذين كفروا...) النساء / ١٠١، فقد أمن الناس، أي: ليس هناك داع للأخذ بالرخصة، فقال سیدنا عمر: عجبت مما عجبت منه، فقال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوها سنن الدارمي. 
- وعن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - مر برجل فى ظل شجرة فقال: (إنه ليس من البر أن تصوموا في السفر، وعليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها) - فالحمد لله واسع الفضل والكرم، عظيم الرحمة بعباده العليم بأحوالهم، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. 
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

تابع مواقعنا