«نياشين»

كلمه "نياشين" جمع "نيشان"، والنيشان كما ورد في بعض معاجم اللغة العربية: هو اسم يعنى " وسام أو شعار" يعطى كجائزة أو تقدير، ومنه يقال: قلد وسام الاستحقاق الثقافي
وهذا "النيشان" كما هو واضح من معناه، تمنحه جهة أو شخص ما لإنسان تقديرا لما بذله من جهود معينة، أو قام به من إنجازات أو قدمه من تضحيات في مجال معين، عاد بالنفع على المحيطين به، ومعلوم أن "النيشان" يكتسب أهميته وقيمته من أهمية وقيمة من يمنحه، سواء كان جهة أو شخصا، فكلما علت قيمة الجهة وزادت مصداقيتها وشفافيتها، كلما علت قيمة هذا النيشان.

وبعد هذه المقدمة نقول: هناك في تاريخ البشر أشخاص عظماء علقت على صدورهم "نياشين" تقديرا لما بذلوه وقاموا به، وعظمة هذه النياشين وقيمتها ترجع إلى أن من اختارهم لها، ومنحهم إياها، ليس جهة بشرية، أو شخصا عاديا، وإنما سر عظمتها أن مانحها هو الله عز وجل، وليس فوق ذلك قيمة أو مكانة، أو أن مانحها هو النبي صلى الله عليه وسلم، وبديهي أن الاختيار من الله ورسوله لن يكون عبثيا، أو مبنيا على أساس قرابة أو مجاملة أو محسوبية، بل سيكون أساسه الاستحقاق الأكيد لهذا التقدير والتكريم، وبناء على معايير وضوابط لا يعترى ميزانها خلل، فهى معايير إلهية أو نبوية.

ولنستمع إلى هذا الحديث النبوي الشريف، الذى يمثل احتفالا إن صح التعبير، يقلد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه الكرام "نياشين" على صدورهم، كل في مجاله أو موهبته التي برز فيها، وعرف بها، ومنحه الله إياها خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالمربي، أو المعلم الذى يعرف خصائص ومواهب ومميزات طلابه، وهذه هي السمة المشتركة بينهم جميعا أنهم "تربية سيدنا محمد" صلى الله عليه وسلم، وأكرم به من معلم، وأكرم بهم من متعلمين.

والصحابة المختارون لهذا التكريم، والذين سينادي رسول الله على أسمائهم، ليصعدوا الى منصة التكريم والتتويج ليقلدوا هذه النياشين، هم سادتنا الكرام: (أبو بكر، عمر، عثمان، زيد، أبى، معاذ، أبو عبيدة)، رضوان الله عليهم أجمعين.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: 

1-"أرحم أمتى بأمتي أبو بكر، ولا يحتاج سيدنا أبو بكر للحديث عنه، فمناقبه وفضائله أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تنكر، بتكريم الله ورسوله له رضى الله عنه فقد كان جامعا لكل صفات الخير وخصال البر، حتى قيل: (إنه أفضل صاحب صحب نبيا على الإطلاق)، رضي الله عن الصديق أبي بكر.

2- "وأشدهم فى الله عمر " أمير المؤمنين، وعبقري الإسلام المحدث الملهم، الذى كان الشيطان يفر من طريقه، وكان القفل الذى يغلق باب الفتنة، فلما مات شهيدا، انفتح باب الفتنة على مصراعيه، رضي الله عن الفاروق عمر.

3- "وأصدقها حياء عثمان "، ذو النورين الذى تزوج اثنتين من بنات رسول الله، الذى اشترى بئر رومة من اليهودي ووهبه للمسلمين، ومجهز جيش العسرة في غزوة (تبوك )، الذى كانت تستحيي منه الملائكة، رضي الله عن ذي النورين سيدنا عثمان.

4- وأفرضهم " زيد بن ثابت " جامع القرآن، وكاتب رسول الله، وهو كما ورد في حيثيات تكريمه من رسول الله – صلى الله – عليه وسلم – أعلم الأمة بالفرائض، وعلم الفرائض هو: علم توزيع المواريث والتركات، فقد كان مرجعا في هذا الشأن،، وعلم الفرائض نصف العلم كما قال النبي الكريم، رضي الله عن سيدنا زيد.

5- وأقرؤهم " أبى بن كعب " أي أعلمهم بقراءة القرآن، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم كل من أراد أن يقرأ القرءان ويتعلمه أن يأخذه عن أربعة من الصحابة، منهم "أبى بن كعب ". رضي الله عن سيدنا أبي.

6- (وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل)، أي أكثرهم علما بأحكام الحلال والحرام، يبين لهم شرع الله عز وجل من فضل ما تعلمه من رسول الله، وقد أرسله النبي الكريم ليكون قاضيا على أهل اليمن، وسأله: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال:- اجتهد رأيي ولا آلو، أى: لا أقصر، فضرب رسول الله على صدره، وقال: الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله لما يرضى الله ورسوله.

 
7-(وإن لكل أمة أمينا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح)، وأكرم بها من منزلة ومكانة، وأعظم بها من صفة، وهي الأمانة، ولذلك لما حضرت سيدنا عمر الوفاة، قالوا له: من تولى علينا؟ قال: لو كان أبو عبيدة حيا لوليته عليكم، فإن سألني الله: لم وليته؟ لقلت: لأني سمعت نبيك يقول: (إن لكل أمة أمينا، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة).

هنيئا لهم جميعا هذه النياشين النبوية، ورضى الله عنهم جميعا، ونسأل الله أن يجعلنا على دربهم، وأن يوفقنا للعمل بهديهم، والسير على منهاجهم.
 

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.. وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم