السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

قراءة لأبعاد هجمات موسكو الدامية

الأربعاء 27/مارس/2024 - 01:50 م

في مساء الثاني والعشرين من مارس الجاري، عاد الإرهاب الأسود ليتصدر عناوين الأخبار من جديد، وفي هذه المرة كان الهدف في قلب العاصمة الروسية موسكو، بضاحية كارسنوجورك، حيث توافد الآلاف من المواطنين الروس في بداية عطلة نهاية الأسبوع علي قاعة كروكس سيتى الموسيقية ليستمتعوا بعرض غنائي في أحد ليالي موسكو الشتوية، ليتفاجأ هؤلاء العزل بمجموعة من المجرمين المدججين بالبنادق والآلات الحادة والقنابل الحارقة يفتكون بكل من تطاله أسلحتهم أو أيديهم دون تمييز بين امرأة أو رجل أو حتى طفل.. مجزرة دموية تركت نحو 140 مدنيا أعزل في عداد القتلى، مجزرة روعت الشعب الروسي، معيدًا إليه ذكريات أليمة سبق له أن عاشها أثناء موجة الإرهاب التي أطلقها متطرفون شيشانيون منذ ما يزيد عن 20 عاما.

ولكن من الخطأ الظن أن هذه المجزرة المفجعة مجرد هجوم إرهابي ارتكبه متطرفون موتورون مثلما حدث في مرات سابقة، حيث إن توقيت الهجوم وبشاعته وما تبعه من تطورات ذات الصلة بوجهة هروب منفذيه تثير تساؤلات ترفعنا من مستوى سياق الحدث الأمني إلى سياق الصراع الجيوسياسى المشتعل بين الغرب بقيادة الولايات وروسيا الاتحادية على الأراضي الأوكرانية.

وإذا بدأنا بالتوقيت نجد روسيا كانت قد خرجت لتوها من انتخابات رئاسية تاريخية بكل المعاني، لعدة أسباب أولها كونها أن أول اقتراع عام يجري في البلاد منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية منذ عامين، الثاني هو خروج الانتخابات على نحو أكد شعبية الرئيس بوتين الجارفة في صفوف المجتمع الروسي، وتأييدهم لسياسته ذات الصلة بالحرب في أوكرانيا، حيث تجاوزت نسبة الإقبال 77% من إجمالى الناخبين، وخيب ذلك آمال الغرب الذى راهن على مقاطعة الاقتراع الرئاسي أو إفساده بأعمال الاحتجاج التخريبي من أجل زعزعة الاستقرار الداخلي وإضعاف النظام الروسي لتتأثر قدرته على مواصلة حربه المصيرية ضد الغرب. 

خروج الانتخابات على هذا النحو أكد استقرار نظام الرئيس البوتين وقدرته على استكمال أهداف عمليته العسكرية في أوكرانيا التي بدأت تشهد تقدما ميدانيا ملحوظا للجيش الروسي بعد فشل الهجوم المضاد الأوكراني، ورفض الكونجرس الأمريكي منح كييف حزمة مساعدات عسكرية ومالية جديدة تتجاوز قيمتها 60 مليار دولار، أي أن روسيا أصبحت تقترب أكثر فأكثر من تحقيق نتائج من الممكن أن يتم تسويقها على أنها نصر مقبول في أوكرانيا يساوي حجم التضحيات التي قدمتها علي مدار عامين.

وبالتالي توقيت هذا الهجوم الآثم يثير علامات استفهام مشروعة، فهل تنظيم داعش الذي أعلن مسؤوليته عن الهجوم يشارك أعداء روسيا الآخرين أهدافهم، وكيف ذلك وداعش من المفترض أنه خصم للجميع. 

علامات استفهام مشروعة أخرى أثيرت حول وجهة هروب منفذي هجوم قاعة كروكس، حيث تم ضبطهم جميعًا من قبل السلطات الروسية بمقاطعة بريانسك الواقعة على الحدود الأوكرانية، أي أن الجناة كانوا يحاولون الفرار للداخل الأوكراني، وفي ضوء هذه الشواهد الخطيرة التى تشير الي تورط أوكراني محتمل ألمح عدد من المسؤولين الروس علي رأسهم الرئيس بوتين ومن أبرزهم نيكولا باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي والجنرال بورتنيكوف رئيس جهاز الأمن الفيدرالي أحد الهيئات الوريثة للKGB، إلى تورط أوكراني في الهجوم بشكل أو بآخر، وقد تكون الظنون الروسية في محلها، فالأعمال التخريبية في الداخل الروسي ليست غريبة على أجهزة المخابرات الأوكرانية منذ اندلاع هذه الحرب واغتيال الصحفية داريا دوجينا ابنة المفكر السياسي الروسي الكبير ألكسندر دوجين خير شاهد على هذه المسألة، وقد تم رصد أيضا العديد من العناصر الجهادية التي سبق لها القتال في سوريا والشيشان تقاتل في صفوف الجيش الأوكراني ضد القوات الروسية في الدونباس وغيرها من ميادين الصراع الروسي الأوكراني. 

ومن الملفت أيضا إصرار الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على نفي التهمة عن نظام كييف وإلصاقها حصرًا بداعش رغم عدم انتهاء التحقيقات بعد، ومن الملفت أيضا علم الولايات المتحدة المسبق بوقوع الهجوم وامتناعها عن تقديم أي معلومات لموسكو لمنع وقوعه وفقا لتصريحات مسؤولين روس، جميع هذه الشواهد تحمل مؤشرات خطيرة على طورت أوكراني محتمل في الهجوم قد يجلب على كييف تداعيات لا يحمد عقباها.

هجوم موسكو ما هو إلا جولة على ما يبدو في دوامات الصراع الروسي الأوكراني الذى ستحدد مخرجاته شكل النظام الدولي الجديد الذي سيستبدل منظومة القطب الواحد التي دخلت مرحلة الاحتضار النهائي، وفي مثل هذا الصراع المصيري تتجرد كافة الأطراف من أي قيود تقليدية، بسبب طبيعته الصفرية، لذا أتوقع أن نرى المزيد من التجليات القبيحة للتناحر الخطير بين القطب الأمريكي المهيمن والأقطاب الصاعدة التي تتحدي هيمنته، ولكن في نهاية المطاف التحول إلى عالم تتعدد أقطابه يخلق مساحة أكبر للعدالة والتعايش السلمي والتنوع الثقافي، فهل ينتصر العالم لهذه القيم، أم يظل راضيًا بالهيمنة الأحادية للقطب الغربي المبنية علي الاستغلال وسطوة السلاح وطمس هويات الغير؟

تابع مواقعنا