السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

مصر أرض طيبة وشعب أصيل

الإثنين 11/ديسمبر/2023 - 06:06 م

لقد تعاقبت على المصريين ثقافات عدة، ومورست عليهم جميع أنواع الحيل عبر تاريخهم وحتى اللحظة، لكنهم لم يتأثروا أو تتبدل ثوابتهم، ولأن الدين له مكانة خاصة عندهم، فقد تعاملوا مع جميع الديانات السماوية، وصولا إلى الإسلام الخاتم بمذهبه السني المعتدل بعد اليقين الكامل، وليس لمجرد تقليد غيره أو الانصياع إليه. 

وإذا نظرنا إلى التاريخ القريب مقارنة بحضارة عمرها آلاف السنين، سنجد أدلة كثيرة على ذلك.

لقد حكمتهم الدولة الفاطمية الشيعية، وحاولت بكل الوسائل تغيير مذهبهم، وأُقيم الجامع الأزهر الشريف لتدريس التشيع ونشره، وتمت مداعبة المشاعر بإظهار المحبة الفياضة لآل بيت رسول الله، عندما علموا مكانتهم العالية لدى المصريين، إلا أن الشعب العبقري صنع طريقته الخاصة، والتي أعلى فيها مكانة آل البيت، وفي نفس الوقت حافظ على مذهبه السني بلا تأثير، حتى أن الأزهر تحول إلى أكبر جامع وجامعة سُنية في العالم الإسلامي. 

كذلك حكمت الدولة العثمانية مصر سنوات كثيرة، فلم تتغير الثقافة الشعبية، أو تتأثر، وإن كانت أخذت بعض الأمور الجيدة التي تم تمصيرها أيضا، ونفس الأمر حدث مع الاحتلال الفرنسي الذي ترك أثره الواضح على أغلب البلدان التي دخلها، حتى على مستوى اللغة، لكنه لم يغير من العادات والتقاليد المصرية الأصيلة على الإطلاق، رغم محاولات السيطرة والاندماج الكثيرة. 

ثم جاء الاستعمار الإنجليزي أيضا، ومعه العديد من أصحاب الجنسيات الأوروبية المختلفة، الذين انتشروا في ربوع مصر، وعملوا في جميع المجالات، ولكن ظل المصريون يحتفظون بطبيعتهم ونهكتهم الخاصة التي لا مثيل لها في العالم حتى أن الكثير من الأجانب تمصروا وأصبحوا يتحدثون باللهجة المصرية ويشاركون المصريين الاحتفال بالمناسبات. 

ومن هنا يتضح أن الشعب المصري نسخة أصلية لا يمكن تشكيلها أو طمس معالمها أبدًا مهما حدث.. لهذا فإن الفشل سيكون نهاية كل من يحاول ذلك، أو يتوهم أنه بمجموعة من الشعارات والخزعبلات التي يظن أنها فكر وتحضر، أو بأي طريق آخر سوف يؤثر في شكل الهوية الثابتة للمصريين، والتي هي راسخة في ريفهم وصعيدهم وسواحلهم، ومن ثم تنطلق إلى كل شبر في البلاد.. وسنجد على مر التاريخ أن كل رمز فكري تنويري حقيقي كان صناعة شعبية خالصة، ولم يستطع أحد فرض شخصية معينة على شعب المحروسة أبدًا، حتى وإن تم تلميعها بكل شكل، فالأمة المصرية ليست جامدة متحجرة عصية على التطور.. على العكس تماما، لكنها واعية وذكية تميز الخبيث من الطيب، وترفع من تجد فيه الخير وتعطيه قدره، بينما تتجاهل من هم دون ذلك حتى يطويهم النسيان بكل هدوء. 

لن تكون مصر إلا كما هي؛ بحضارتها الضاربة في جذور التاريخ، وثقافتها الأم التي انصهرت فيها كل الثقافات التي مرت عليها، وعقيدة شعبها وإيمانهم الراسخ، واحترامهم لدينهم الوسطي المعتدل والتمسك به، وعدم التفريط تحت أي مسمى مهما كان بريقه ودرجة خداع من يحملون رايته، ولن تكون أبدا علمانية بزعم التحضر والتنوير، ولا متشددة متحجرة رافضة للحداثة والتجديد، وستذهب كل الأفكار الدخيلة إلى مزابل التاريخ مع أصحابها، حتى وإن اعتنقها قلة لا تذكر ومهما تلقوا من دعم ومساندة، وأتيحت لهم فرص الظهور عبر الوسائل المختلفة لترويج مشروعهم الظلامي بحجة التنوير، مستغلين ظروفا معينة وثغرات هنا أو هناك يحاولون النفاذ منها، رافعين شعارات تبدو براقة وهي سموم في أحشاء حية رقطاء ناعمة الملمس وخداعة المظهر.

تابع مواقعنا