أحيوا مفهوم الأمة
كتبت مقالا الأسبوع الماضي بعنوان غزة جرح يوقظ أمة، وربما أردت أن أكون متفائلا بهذا العنوان، لرغبة مني وإيمانا بأنه الحل الوحيد للخروج من نفق مظلم دخلناه كأمة منذ سنوات طويلة، جعلنا كدول عربية بعيدين عن بعضنا، وقد انساق البعض بكل أسف خلف مصالح يظن أنها سوف تتحقق له على يد العدو التاريخي لأمتنا، والذي لا أمان ولا عهد لديه على الإطلاق، وقد أثبتت الأيام هذا، ولم تتحقق لهم أية مصلحة ملموسة، سوى وهم يبدو أنهم ما زالوا يعيشون فيه رغم ما نواجه من ظرف غاية في الألم وبالفعل غير مسبوق في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
اليقظة التي قصدتها في مقالي كانت بشكل أساسي على مستوى الكثير من الشعوب العربية، وخاصة جيل الشباب الذي خرج للدنيا في ظل حالة مذرية نعيشها على حساب فكرة الأمة.
من عاش فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أو استمع لخطاباته سوف يجد أنه كان دائما يبدأ بجملة معينة وهي باسم الأمة.
وذلك لإيمانه بهذا المفهوم ويقينه بأن وجوده والتأكيد عليه هو الضمانة الوحيدة لأمان كافة الشعوب العربية، وذلك أيضا ما يدركه عدونا جيدا، ولذلك فقد عمل طيلة السنوات الماضية على طمسه، ومحوه تماما من العقل العربي بممارسات خبيثة لا يتسع الحديث لذكرها، وقد نجح بالفعل في جانب كبير حيث توارت فكرة القومية العربية كثيرا، ذلك لصالح مفهوم براق لكنه كالسم في العسل، وهو الوطنية الإقليمية، أي أن انتماء الفرد يكون لدولته التي يحمل جنسيتها وفقط.. وبدأنا نسمع شعار "كذا أولا" ينتشر في كل دولة من دول العالم العربي، وذلك لا يمكن أن يكون صدفة.
نعم لا شك أن الانتماء لبلدي الذي أعيش فيه وأحمل جنسيته هو الأساس الذي أنطلق منه، ولكن المبادئ لا تتجرأ وإن حدث ستكون كاذبة لا محالة.
لا يمكن أن تكون الوطنية خالصة وهي تقوم على الأنانية والبعد عن فكرة الانتماء إلى الأمة، فالروابط عرقية ودينية ولهذا كان اللعب في موضوع الدين ضمن هذا الأمر، ولا ننسى أن الاتحاد قوة والتفرق ضعف وهوان، وذلك بكل وضوح وصراحة ما نعيشه ونستشعره الآن ويؤثر نفسيا على كل عربي حر حقيقي وليس مجرد مسخ يعيش لذاته ولا تشغله سوى مصالحه الشخصية.
نحن كأمة عربية لدينا الكثير لنقدمه للقضية الفلسطينية ونملك من وسائل الضغط ما نجبر به الدول الكبرى في العالم على الضغط لإيقاف هذا العدو المجرم، والتوقف عن هذا الدعم الكامل واللا محدود لما يرتكبه من جرائم حرب واضحة في حق شعبنا الفلسطيني.. نملك كل شيء في سبيل تحقيق ذلك بالفعل لكن تنقصنا الإرادة والكلمة الموحدة.
إن مصر الآن كما هو قدرها دائما تقف شبه وحيدة في خط المواجهة لوقف عملية التهجير لسكان غزة، والذي من شأنها بالفعل تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، وإنهاء الوجود لدولة فلسطين، ولأن الأردن معنية بنفس الأمر حيث يحمل نفس المخطط نقل أهل الضفة إليها فإنها تقف موقفا يتماشى مع الرؤية المصرية، ولكن ذلك لا يكفي فالأمر ليس بالسهل والضغوط كبيرة، والتكلفة قد تكون عالية، وما لا نعرفه أكثر بكثير مما يبدو، ويحتاج إلى اصطفاف حقيقي ومخلص من كافة الدول العربية والإسلامية أيضا، فضياع فلسطين يعني ضياع المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وذلك جانب عقائدي مهم جدا لا يجب إغفاله.
نتمنى أن يعي الجميع ضرورة العودة إلى مفهوم الأمة وإعادة إحيائه بكافة الوسائل والطرق، وأولها ذكره في كل مناسبة، والعمل على تعريف الطلاب به في المدارس وأيضا الحديث عنه في وسائل الإعلام، وعلى منابر المساجد.
وليعلم كل مسئول ومواطن في العالم العربي، أن التاريخ يكتب ويدون، ولن يرحم متخاذل أو متواطئ، وعليهم العلم بأن مصر هي أمانهم، وضمان بقائهم، وإذا أصابها سوء لا قدر الله سوف يأكلون بمنتهى السهولة من كل جانب، فهي لم تعش بمعزل يوما عن أمتها وقضاياها وكانت ومازالت حاضرة وستظل بفضل الله.