السبت 23 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

اقتصاد خلف خلاف

الأحد 15/أكتوبر/2023 - 09:35 م

في مقالي السابق "قراءة عاشرة في الدروس المستفادة" ذكرت أن ماكينة الصرف الحكومي عليها أن تهدأ قليلا لكي يلتقط الوطن والمواطن أنفاسهم، فسياسة التوسع في الإنفاق العام المتبعة هي عامل أساسي في الظرف الاقتصادي الذي نعيشه، وأنه أصبح فرضا على متخذي القرار تحقيق الانضباط المالي واتباع إجراءات تقشفية.

وللأمانة.. لم آتِ بشيء جديد أو فكرة خارج الصندوق، بل أن ما طالبت به هو أبسط مفاهيم وآليات إدارة الاقتصاد "كلي أو جزئي.. اقتصاد دول أو حتى أفراد"، فحينما لا تكون الموارد كافية يستلزم الأمر تشديد في الإنفاق، حتى تتوازن العملية الاقتصادية المعنية في أهم أساسياتها بتكييف المصروفات مع الإيرادات.

حتى وإن كان الإنفاق تنمويا يستهدف تحسين جودة الحياة من طرق أو مواصلات فسرعان ما ستؤثر تبعاته على جودة الحياة من زاوية أخرى، وهو ما أشبهه دائما بالتناول المُفرط للسكريات، فرغم لذتها إلا أنها قد تصيب المرء بمرض السكر وما يتبعه من آثار.

الغريب أنه رغم بداهة الفكرة وحتمية التوجه، إلا أن الحكومة -من خلال سياستها النقدية ورؤيتها في موازنة 2024- تتجاهله تماما، بل وتتعامل عكسه 180 درجة، ففي الوقت الذي تعاني موارد الدولة حالة من الشح والانخفاض الشديدين، تجري عملية توسعية غير مسبوقة في الإنفاق، بالشكل الذي يزيد الظرف الاقتصاد سوءا ويجرنا نحو مصير مُعقد لا محالة.

وهذا ما رمى إليه صندوق النقد الدولي، حيث توقع في تقريره النصف سنوي، أن يتسع عجز الموازنة المصري بشكل كبير في العام المالي الحالي 2024/2023، وأن يرتفع العجز لـ 10.7% من الناتج المحلي خلال العام المالي الحالي، من 4.6% في العام السابق، بعدما كانت توقعاته في 9.2%، وهو ما يمثل أكبر عجز في الموازنة منذ عام 2016/2015.

ويرى الصندوق أن العجز سيظل مرتفعًا ليصل إلى 11.1% في العام المقبل، مع توقعات أن يتقلص الفائض الأولى إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2024/2023، من 2.3% العام الماضي.

وعلى عكس الإيرادات، تشير توقعات صندوق النقد إلى ارتفاع الإنفاق الحكومي إلى 28.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2024/2023 من 22.8% المقدرة في العام الماضي، وفي الوقت نفسه تظل الإيرادات ثابتة كنسبة من الناتج المحلي، إذ يتوقع الصندوق أن تصل إلى 18.1% للعام الثاني على التوالي.

التوقعات السابقة لصندوق النقد كانت تشير إلى ارتفاع الإيرادات إلى 19.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام من 18.7% في العام الماضي، وظلت أحدث توقعات الإنفاق دون تغيير عن التوقعات الصادرة في أبريل والبالغة 29.0%، وكل هذه الأرقام تنبه دون مواربة إلى ضرورة ضبط الإنفاق العام بشكل كبير كما أشارت إليه مرارًا، خاصة مع توقعات البنك الدولي بانخفاض النمو الاقتصادي إلى 3.7% خلال العام المقبل.

فالتوسع المالي من العملة المحلية يفرض زيادة معدل التضخم على السوق، كما أن له ذات الأثر على سعر الصرف، حتى وإن سلمنا جدلا أن الإنفاق على بعض المشروعات لا يتم من الموازنة العامة للدولة، كما أن مكون الإنفاق من العملة الأجنبية مؤثر بالسلب على ميزان المدفوعات، وله أثر كذلك على التضخم يتأتى من كونه توسع يأتي تمويله من البنك المركزي والبنوك.

أيضا عملية استغلال الموارد في تنفيذ الرغبات السياسية التي لا تكون مدروسة في أغلب الأحيان، يحجم من استجابة المشروعات التي يجري تنفيذها للإشارات الاقتصادية، فتُستكمل رغم ارتفاع وتقلبات سعر الصرف ولا تتفق مع حدود المديونية أيضا، وهذا أمر خطير للغاية، لأنه ليس فقط عدم استخدام كفء للموارد بل إنه إنفاق مستمر دون حساب لما تقرره السياسات المالية والنقدية مما يصيبها بشلل تام.

لو كانت الحكومة تخترع مفاهيم جديدة في الاقتصاد فعليها أن تخبرنا، أما لو كانت ترى انفراجة سوف تحدث لا محال في المستقبل وعليه فهي تستمر في معدل الإنفاق فعليها أيضا أن تطمئننا، أما التشبث بهذا النهج التوسعي والدفاع عنه بهذا الشكل الذي يتضاد مع كل مفاهيم الاقتصاد المستقرة، في وضع أشبه بالمثل المعروف "خلف خلاف المفروض"، أي ينافي المنطق ويخالف المعقول، فهو أمر غير مفهوم ونتائجه الكارثية ليست خفية وليست بعيدة على الإطلاق.

تابع مواقعنا