قراءة في بيانات صافي عجز الأصول الأجنبية
أظهرت بيانات البنك المركزي الأخيرة، تراجع صافي عجز الأصول الأجنبية بالبنوك بواقع 806.5 مليون دولار بنهاية يوليو الماضي، وهي المرة الأولى التي يشهد هذا الرقم تراجعا منذ سبتمبر 2021، حيث سجل وقتها 8 مليارات دولار.
ومنذ الربع الثالث من عام 2021، أصبح المستثمرون الأجانب أكثر عزوفًا عن المخاطرة في الاسواق المصرية بسبب تدهور الحساب الجاري. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد في تكلفة الديون بالعملة الأجنبية وانخفاض الاستثمار الأجنبي في سوق الديون المحلية.
وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية، تعرض النظام المصرفي لضغوط كبيرة في ظل نقص مستمر في العملة الأجنبية خاصة مع توالي مواعيد سداد أقساط وفوائد الديون وأيضا ضعف العوائد الدولارية خلال هذه المرحلة.
التفاصيل الجديدة تشير إلى أن صافي العجز بنهاية يوليو، قد انخفض 812.4 مليار جنيه مسجلا 26.3 مليار دولار، مقابل نحو 27.1 مليار دولار، في شهر يونيو السابق عليه.
وصافي الأصول الأجنبية هذا يعادل الفارق بين ما يملكه النظام المصرفي "البنك المركزي والبنوك التجارية" من أصول بالعملات الأجنبية المستحقة على غير المقيمين، مخصوما منها الالتزامات.
تحليلات كثيرة لصندوق النقد وعدد من المؤسسات الدولية أشارت إلى أن الدولة قد لجأت إلى السحب من صافي الأصول الأجنبية، لدعم الجنيه خلال العامين الأخيرين، كما لجأت إليه لتمويل عجز ميزان المعاملات الجارية "الحساب الجاري".
وفي الطبيعي يحدث تراجع العجز في صافي الأصول الأجنبية عندما تقلل البنوك من اقتراضها من الخارج، إلا أنه في حالتنا يرجع إلى الضغط المستمر على الواردات وانحسار دور البنوك -خاصة المملوكة للدولة، التي تستحوذ على قرابة 70٪ من عجز صافي الأصول الأجنبية، في تدبير العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد.
كما أنه من الناحية النظرية، يعتبر هذا التراجع أمر إيجابي، لكن تشير الشواهد ان سبب حدوثه غير متعلق بزيادة حجم النشاط التجاري أو الاستثمارات، ولكنه بسبب التضييق الشديد على حركة الاستيراد وتوقف البنوك الشبه تام عن تدبير الدولار لصالح العملاء.
وإن أخذنا في الاعتبار تبعات حالة توقف حركة الاستيراد، وهي المسئولة بلا شك عن ارتفاع أسعار أغلب السلع خلال الفترة الماضية وأيضا تسببت قي أزمات كثيرة لسلاسل الإنتاج بسبب عدم القدرة على استيراد معدات التصنيع والإنتاج وقطع الغيار، فإن الرؤية لبيانات تراجع صافي عجز الأصول الأجنبية هي امر طبيعي في ظل هذا الاختناق.
ويحاول المركزي تنفيذ مهمة شبه انتحارية، يهدف فيها للسيطرة على عجز ميزان المدفوعات، تقليص صافي عجز الأصول وزيادة احتياطيات النقد الأجنبي التي تشكل الودائع 85٪ من قوامه. وذلك للتوافق مع شروط صندوق النقد الدولي. وفي ذات الوقت يحاول ضبط معدلات التضخم في ظل اتساع عجز الموازنة العامة الكبير. وهو مجهود شاق ومضنٍ لكن يدفع الأسواق والمستهلك ثمنا بالغا أيضا فيها.
أيام بلا شك استثنائية وظروف اقتصادية معقدة. لا يخلو فيها رقم حتى ولو بدا مبشرا من خلفيات معقدة.