الأحد 24 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

«شات جي بي تي» المصري

الأربعاء 24/مايو/2023 - 04:40 م

يشهد العالم الآن ثورة صناعية رابعة أثرت جذريًّا في نظم الحياة الإنسانية، وغيّرت كثيرًا من مفاهيم البشر وطرق تعايشهم وتواصلهم وعلاقاتهم وطموحاتهم، وهو ما دعا بعض المختصين إلى القول بأن التطور الذي شهدته الكرة الأرضية خلال الخمسين عامًا الأخيرة يعادل كل التطورات التي شهدتها منذ نشأتها.

وإذا كانت الثورة الصناعية الأولى اعتمدت على الماء والبخار لمَيْكنة الإنتاج، والثانية استخدمت الطاقة الكهربية لمضاعفة الإنتاج، والثالثة اعتمدت على الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتْمَتة الإنتاج، فإن هذه الثورة الصناعية الرابعة تتمثل في دمج العديد من التقنيات التي تربط بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية، فكانت تلك الطفرة التكنولوجية والرقمية التي نشاهدها اليوم.

ويستمر التحول غير المسبوق في وجه الحياة الإنسانية وتفاصيلها بسبب التركيز على التطوير المستمر لأنظمة الذكاء الاصطناعي، الذي يعني قدرة الآلات والحواسيب الرقمية على القيام بمهام معينة تحاكي تلك التي تقوم بها الكائنات الذكية كالقدرة على التفكير أو التعلم من التجارب السابقة أو غيرها من العلميات الأخرى التي تتطلب عمليات ذهنية معينة، ويعتبره العلماء أنه لا يقل أهمية عن الاكتشافات الأربعة المهمة في حياة البشرية: «النار، والعجلة، والخلية، والنواة».

ولعل أبرز تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في الأيام الأخيرة هو روبوت الدردشة شات جي بي تي الذي أطلقته شركة أوبن إيه أي في نوفمبر الماضي؛ فقد أشادت تقارير بقدراته الفائقة في معالجة البيانات وتحليلها وإعداد المحتويات الحصرية وتصحيح الأكواد البرمجية، ويتطلعون إلى استخدامه في كل مجالات الحياة كالتعليم والإعلام والفن والقانون والطب والإرشاد النفسي والنفط وتحليل أداء أسهم الشركات وتقديم التوصيات في مجال الأعمال والتمويل.

وعلى النقيض أبدت تقارير تخوفًا وقلقًا شديدًا من تأثيره السلبي على طلبة المدارس، وتهديده للكثير من المهن والوظائف وإهدار قيمة الإنسان، خصوصًا بعدما أعدت الشركة المصممة له تقريرًا بالوظائف المعرضة للتأثر به، بالإضافة إلى إمكانية استخدامه في نشر معلومات مضللة وفي الجرائم الإلكترونية وتزييف الحقائق، وهو ما يمثل عبئًا على الأمن السيبراني، وقد عززت بعض الأحداث الأخيرة المخاوف من الذكاء الاصطناعي عامة، منها فبركة صور للملك تشارلز باستخدام تطبيق «Midjourney»، والاستعانة بشات جي بي تي في إعداد مقال صحفي مزيف بجريدة «ذا آيريش تايمز» الأيرلندية، وخبر صحفي مزيف في الصين، بل إن بعض التقارير الصحفية عزت انهيار بعض البنوك العالمية إلى اعتمادها على شات جي بي تي.

نجم عن تلك المخاوف ردود أفعال متنوعة، كاستقالة مسئول كبير بشركة جوجل هو جيفري هينتون، الذي يُعرف بالأب الروحي للذكاء الاصطناعي؛ ليتحدث بحرية عن مخاطر الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعيد للأذهان قصة الشاب سنودن مبرمج الاستخبارات الأمريكية، كما دعا خبراء آخرون على رأسهم إيلون ماسك إلى توقف لتطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي مدته 6 أشهر لحين إعداد وتنفيذ بروتوكولات ضابطة، وحظرت شركة سامسونج على موظفيها استخدام «شات جي بي تي» بعد اكتشاف تسرب بيانات، وللسبب نفسه لاقى حظرًا مؤقتًا في إيطاليا والصين، ومن قبل ذلك دعت منظمة اليونسكو إلى إنشاء أداة تشريعية لتنظيم الذكاء الاصطناعي ومراقبته، ومؤخرًا قررت مجموعة الدول الصناعية السبع اعتزامها تبنِّي قواعد للاستخدام المسئول للذكاء الاصطناعي.

أما على المستوى المصري، فقد انتشر على مواقع التواصل تعليقات لبعض مستخدمي شات جي بي تي بأنه يلجأ إلى ما يسمى في التعبير الشعبي المصري بـ«الهبد» خصوصًا فيما يتعلق بالمجالات اللغوية والأدبية والدينية والسير الذاتية للشخصيات، ومن أمثلة ذلك أنه رد على أحد المستخدمين بأن التعبير "حيث أن" صحيح لغويًّا لأنه ينتهي بتاء مربوطة، وأجاب على مستخدم آخر سأله عن صلاة الزين بأنها تؤدى بعد صلاة العشاء، ومع تكرار سؤاله عن عدد ركعاتها قدم في كل مرة اعتذارًا عن الخطأ وإجابة بعدد ركعات مختلف.

وكان من الطبيعي أن يتلقى هذا الروبوت أسئلة خاصة تحمل طابع المصريين المميز، فقد سأله مستخدم عن قميص نفيسة «نشف ولا لسه؟»، وطلبت منه مستخدمة أن يتخيل نفسه زوجها وأن يجيبها عن سبب ضيقها وإحساسها بتأنيب ضميرها نحوه، وطلب منه مستخدم أن يقول «طاسة» ليكمل معه باقي الحوار المعروف.. وإذا كانت مثل هذه الأسئلة مربكة له حاليًا فإن مطوري هذا الروبوت يطمحون لأن يتمتع بوعي ذاتي ويكون قادرًا على اكتساب الخبرات والتعلم من خلال الاستخدام، وتطوير ذاته وصولًا إلى اتخاذ قرارات وتنفيذ استجابات وردود مناسبة للسياقات والمواقف، وهو ما نتوقع معه أن يتشكل حتى نشهد ميلاد شات جي بي تي مصري له سمات الشخصية المصرية، ويقدم ردودًا تحمل بصمة المصريين.

تابع مواقعنا