«إنسبيريشن» غادة والي!
الإلهام قدرة خاصة، نادر الوجود، لا يتحقق شرطه، إلا بوصال إلهي، وإن أتاك، فلن يأتيك وحيه إلا إذا آمنت بما تملك من إمكانية خارقة الوجود والاستثناء، ولن يدوم لك إلا إذا استوثقت مما يملكه الآخرون من مكونات تكمّل قدرتك وتتعاطى معها، ومع ذلك فإنه من المستحيل عليك إثبات أن ما أُلقي في روعك من فيض هو عطاء الله لمن لا خيال لديه أو استشفاف، وأنت في ذلك التحير في إثبات قوتك الروحية أو العقلية – إن وجدت - كـ غادة والي، التي تسمي السرقة «إنسبيريشن»، وتطلق على «الشف» (كريتيفتي).
ولأضعك في الصورة عزيزي القارئ، هناك 3 جمل حوارية، وجدتها تجسد بكفاءة وثقة النموذج الوقح للتسلق والزيف، لكل مدعٍ يرى في نفسه ما ليس فيها، فيمنح ذاته الوضيعة الفرصة، وحق استخدام مفردة الإلهام، للتعبير عن فعله، وتبرير منهجه الساقط في الفساد والإفساد، بل يتسلق على من حوله حتى تتشبث جذوره بالأرض الرخوة، ليحبط - بما يصنع من تسلق وادّعاء وسفسطة وقلة مروءة وغباء - «الشقيان الموهوب»، وهي الجمل التي جاءت بين غادة والي، «المصممة على السرقة»، والإعلامي الأستاذ عمرو أديب:
- على فكرة طبيعي فنان يتأثر بحاجات عملها فنان تاني من نفس المدرسة
- طب ليه باقي شغلك مش باين فيه المدرسة دي؟
- لا ما أنا مش فنانة.. أنا مصممة جرافيك!
لقد واجهت استفزازا قحا وأنا أستمع لها استماع المدهوش المتعجب، وأنا في هروبي من ذلك الذهول الذي انتابني، كالمستجير بالرمضاء من النار، فلا جواز لذلك الشعور في بيئة لا تصفق إلا للمدعين، وفي مجتمع لا يرى إلا الأنصاف من كل شيء، لقد أصبحت شبه خبير بتجاوز ذلك الشعور من الدهشة، كلما رأيت مدعيا، حتى أني تعودت أن أشكر المسؤول الذي يدعي كذبا التزامه القوانين، بينما هو يعمل في منظومة تفيض كرها للقانون، مليئة بمن جاملوا وانبطحوا، وساقوا الظروف عمدا، عن فساد وسوء إدارة، لإنفاذ مجاملاتهم.
وأربأ بكل قارئ أن يقترب من تصرفاتي تلك، فأنا في ذلك الفعل، مصاب بأحاسيس أغلبها كاذب لسوء ما مررت به من تجارب، وقبح من صادفت من مسؤولين، إذ عليّ أن أُحسن الظن فيمن أناب، وأن أمنح الفرصة لمن توسمت فيه الخير والانضباط، فأبسط له جناح الود، وأمهد له سبيل التصديق في مجتمع زائف، إلهه هواه، وأنا في الوقت نفسه معذور لأني كلما حاولت الخروج من شرنقة سوء الظن، رأيت «غادة» جديدة، كالتي رآها الجمهور بالأمس عبر الشاشات.
إحساس العجز قاتل، وأنا قابع في ظلام النقد، مشبوب الغيرة، غير قادر على تغيير أو إفصاح كامل البيان، أتحسس الكلمات قبل وضعها، وأتلمس خطى التقريع قبل أن أهبط بها، لكني مؤمن بتفاؤل مجيد، بأن أيام العدل آتية، لمن اجتهد بموهبة حقيقية، ولمن أعطى فأوفى، وثابر وأحب، وحتى إذا لم يصل فيكفيه أنه في مسيرته الوقور الصافية، «أحب وأوفى»، وعليه فلن «يَنسى أو يُنسى».