زيارة السلطان هيثم لمصر.. خلفيات تاريخية وآفاق تعاون
تتأهب الأوساط العمانية خصوصا والخليجية عموما للزيارة المقررة للقاهرة في 21 مايو من العام الحالي 2023، والتي يترأس الوفد العماني فيها جلالة السلطان هيثم بن طارق شخصيا.
فهي زيارة ذات طابع خاص تأتي في توقيت له دلالته البالغة في أعقاب القمة العربية التي انعقدت في المملكة العربية السعودية قبل أيام قليلة، وقد حملت في طياتها الكثير من القضايا التي شغلت الرأي العام الإقليمي، وربما على رأسها عودة سوريا للحضن العربي.
وتمكنت عمان على مدار عقود من الأحداث العاصفة التي ضربت الشرق الأوسط بأكمله، من البقاء كطرف حيادي موثوق به لدى الجميع.. يدرك الكل أنها ليست طرفا في معادلات الخصومة العربية- العربية ولا واقع توترات الإقليم بأكمله فيما يخص إشكالات العرب مع جيرانهم من كافة الاتجاهات وعلى مختلف التخوم الجغرافية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا.
حتى أن التشبيه الأكثر ذيوعا والتصاقا بوصف السياسة العمانية الخارجية هو سويسرا الشرق الأوسط.
وهو ربما ما لم يستوعبه كثيرون في محكات بعينها، إلا أن الممارسة العمانية على مدار عقود طويلة أفرزت سياسة أقرب للنزاهة والحياد والاحترام منها لأي معنى آخر.
فقد كان الموقف العماني مشرفا في حرب أكتوبر المجيدة، حين أرسل السلطان قابوس عليه رحمة الله البعثات الطبية لمصر وسوريا، وقرر اقتطاع ربع رواتب موظفي الدولة وتوجيهها لصالح المجهود الحربي العربي، وغير ذلك من مواقف المروءة والتآخي العربي.
فسلطنة عمان من النماذج المدهشة في السياسة الدولية في القدرة على إدارة علاقاتها بالجميع دون أن تخل بارتباطها العروبي والإنساني والتاريخي.
ووسط هذا الواقع العربي الذي كرست فيه سلطنة عمان هذه الصورة والحالة، فالعلاقات بين مصر وسلطنة عمان بعيدة إلى مدى قد لا يتصوره أحد، فوفقا لبعض التقديرات فبلاد "بونت" التي تواصلت معها مصر أثناء حكم الملكة حتشبسوت، كانت هي ما يسمى اليوم بسلطنة عمان.
وحتى لو كان الراجح من التقديرات في هذا الصدد ما قيل إنها الصومال أو حتى اليمن، ثم في مرتبة تالية من الترجيحات هي سلطنة عمان، فإن التواصل بين مصر وعمان تاريخيا يمتد لهذه الآلاف من السنين التي مضت قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
ومن موقعي العلمي والأكاديمي، معززا بخبرتي في العمل الدبلوماسي، أرى أن تعاونا علميا ينبغي أن يًدرج بين البلدين إلى الحد الذي يحتمل – بل وأقترحه وأرحب به- أن تُفتتح في مصر جامعة باسم السلطان هيثم، كنظيرتها التي تحمل اسم جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز.
أو على تقدير مختلف وبمسمى آخر أن يتعاون البلدان بإنشاء مركز لتراث الشرق الأدنى وليكن في مسقط، على أن يكون معنيا ببحث تاريخ وحفريات عمان التي ماتزال واعدة وتنتظر البعثات العلمية الاحترافية التي يمكن للتعاون العلمي بين القاهرة ومسقط أن يبلور ملامحها.
وهو واقع لكم تمنيته أثناء سنوات تدريسي في سلطنة عمان والممتدة إلى الآن، من واقع ما خبرته في جنبات مؤسساتها العلمية.
وأدعو وأتمنى هذا، سيما مع وجود فترات تاريخية يكتنفها بعض الغموض في تاريخ سلطنة عمان أو حتى فترات تاريخها في العصور القديمة والعصور الوسطى، التي عملت عليها أطراف عدة وقد حان الحين لتكرس أجيال من الدارسين والأساتذة العمانيين خبراتهم مع غير العمانيين في تمازج علمي مستحق.
فالمؤسسات العمانية العلمية التي أراها اليوم تحمل من التأهب والكفاءة العلمية والقدرة على التحرك بما يمكنها من إنجاز مثل هذه الأعمال المختصة بالاعتناء بالتراث العربي العماني، على أن يضم عمانيين وعربا من جنسيات مختلفة وقامات عالمية، بحيث تتضافر الخبرات لفك الشفرة التاريخية لهذا المكان الذي شهد فصلا من التاريخ الإنساني الجدير بالبحث.
وأعتقد أن السلطان هيثم بن طارق، ربما لديه ميل- فضلا عن الوعي- بهذا الملف من واقع خبرته كوزير سابق للتراث ولفترة طويلة.
ويرجح عندي أن تنجح الزيارة نجاحا لافتا.. لما تنطوي عليه من تفاهم واحترام وصدق متبادل بالأساس بين طرفيها الكريمين.