ساوثهامبتون.. قديسو إنجلترا أصحاب الصندوق الأسود وخزانة المواهب
ودع مسابقة الدوري الإنجليزي الممتاز، واحد من أعرق أندية إنجلترا على مر تاريخ كرة القدم وهو، ساوثهامبتون الذي هبط إلى بطولة تشامبيونشيب بشكل رسمي.
وتأكد هبوط فريق ساوثهامبتون إلى دوري تشامبيونشيب بشكل رسمي، عقب خسارته أمس السبت، على يد فولهام بهدفين دون رد، ليقف رصيده عند 24 نقطة فقط في المركز العشرين بجدول الدوري الإنجليزي الممتاز، ويودع المسابقة.
تاريخ فريد لقديسين المدينة
ولا يعتبر نادي ساوثهامبتون مجرد فريق هبط إلى تشامبيونشيب سنتحدث عن أرقامه ومشاركاته في المسابقة وأبرز مبارياته، بل هو نادي يملك تاريخ فريد من نوعه، فهو واحد من أعرق أندية إنجلترا على مر التاريخ.
ويملك نادي ساوثهامبتون تاريخ مبتكر منذ اللحظة الأولى وضع حجر الأساس لهذا النادي، فقد تأسس عام 1885، على يد مجموعة من شباب أعضاء في كنيسة ماري الواقعة في مدينة ساوثهامبتون في جنوب إنجلترا، وكان يسمى في البداية فريق ساينت ماري.
وبالطبع من الواضح سبب إطلاق لقب القديسين على نادي ساوثهامبتون الذي لازال يحتفظ بجذور الكنيسة بداخله حتى يومنا هذا، ولكن ليس هذا كل ما في الأمر، بل أن الابتكار لدى أعضاء كنيسة ماري جاء بأن كل الكنائس من حولهم تملك فرق ولكن في لعبة الكريكت، وفي الوقت نفسه كان قد بدأ ظهور لعبة كرة القدم وبالتالي قرر الشباب أن يجعلوا فريق الكنيسة الخاص يعلب هذه اللعبة ويكون مبتكرا.
وفي البداية لعب ساوثهامبتون على أكثر من ملعب طوال تاريخه، إلى أن استقر على ملعب ديل الذي بقي فيه قرن كامل، ولكن مع تزايد مشجعو الفريق وزيادة عدد حاضري مباريات فريق المدينة، ظهرت فكرة إنشاء ملعب خاص بالفريق وبالفعل بدأ وضع حجر الأساس لملعب ساينت ماري، وانتقل النادي إليه وأصبح الملعب الرئيسي منذ 2001 وحتى يومنا هذا.
المشاركة الأولى والإنجازات البسيطة
مثلمنا قلنا فإن ساوثهامبتون من أعرق الأندية في إنجلترا، ولكنه لم يشارك في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ تأسيسه، بل لعب في بطولة الدوري الجنوبي وحصدها أكثر من مرة، حتى شارك في الدوري الممتاز أو دوري الدرجة الأولى أول مرة عام 1966.
ولكن في جزئية الاسم ظل النادي يلعب بإسم ساينت ماري وبعد حصده لقب الدوري الجنوبي في 1897، أصبح اسم النادي ساوثهامبتون نسبا إلى المدينة الجنوبية.
وبقي القديسين في الدوري الممتاز لمدة 8 مواسم، جرب خلالها الفريق متعة المشاركة في البطولات الأوروبية، مثل كأس المعارض وكأس الاتحاد الأوروبي ولكنه فشل في تحقيق أي إنجاز فيها، وفي عام 1974 هبط النادي من جديد إلى الدرجة الثانية.
ولم يطل غياب الفريق عن البريميرليج بل عاد من جديد في 1978 أي بعد أربعة أعوام فقط من الهبوط، وبقي لمدة طويلة في الدوري الممتاز حيث استمر حتى عام 2005، ولكنه لم يكن منافس شرس لكبار الدوري فقد كانت معظم المواسم قريب من مراكز الهبوط، باستثناء موسم 1984 الذي أنهى فيه المنافسة في المركز الثاني خلف ليفربول وقدم موسما مميزا جدا.
تأثير الملاك في النادي
ولكن هبط الفريق مرة أخرى إلى دوري الدرجة الأولى في موسم 2004/2005، بل وساءت الأمور أكثر ليهبط في موسم 2009 إلى الدرجة الثانية، ومر النادي بأزمات كبرى من الناحية الفنية والمادية، حتى جاء رجل الأعمال الشهير ماركوس ليبهير وأصبح مالك النادي في 2010.
وتحسنت الأمور بشكل كبيرة مع ماركوس ليبهير، وصعد الفريق بالفعل إلى الدوري الممتاز مرة أخرى بعد موسمين فقط، بعد تطورات عديدة من مالك النادي الجديد.
ومن ثم جاء في 2017 مالك جديد للنادي وهو الصيني جيشينج جاو، الذي اشترى الجزء الأكبر في حصة النادي "80%" مقابل 210 مليون جنيه إسترليني، ولكن لم تكن فترته منذ البداية توحي بأنه ستكون فترة جيدة على ساوثهامبتون.
ففي أول مباراة حضرها جيشينج لساوثهامبتون والتي كانت بعد شهر كامل من شراءه للنادي، كانت ضد مانشستر يونايتد في مسابقة الدوري وخسر فريقه بهدف وحيد، ولم ينفق على النادي أو يقم بإدخال أي شئ، بل حتى كان غير قادر على التواصل مع الجماهير لأنه لم يكن يجيد اللغة الإنجليزية.
وبعد أربعة سنوات لم تكن الأفضل لساوثهامبتون رفقة الإدارة الصينية، جاءت شركة سبورتس ريبابلك المدعومة من الملياردير الصربي دراجان سولاك والمملوك من قبل مدير نادي برينتفورد راسموس أنكرسن، وقامت بشراء الأسهم من جيشينج في عام 2022.
وبدأت فترة ساوثهامبتون مع الملاك الجدد تتحسن بشكل كبير، فقد جاءوا وهدفهم الأول والأخيرة هو كرة القدم وتطويرها داخل النادي، وكانوا يهدفون إلى بناء سلسلة من الأندية وعلى رأسها سيكون نادي القديسين.
وكانت سياسة الملاك الجدد مختلفة بالرغم من ثرائهم الواضح ولكنهم اتفقوا من اليوم الأول في النادي أنه لن يتم اتباع سياسة نيوكاسل ومانشستر سيتي في التعاقد مع لاعبين بمبالغ ضخمة، بل سيتم الاعتماد على الأكاديمية واللاعبين أصحاب الخبرات.
ولكن بالرغم من نجاح سياسة الملاك الجدد للنادي ولكن لم تكن كافية لملاحقة التطورات السريعة للبريميرليج، وهم بنفسهم اعترفوا بذلك وتأثير الامر على هبوطهم، ولكن كانت جماهير القديسين تفضل تواجد الإدارة الجديدة بشكل كبير خاصة بسبب تواصلهم المستمرة مع الجماهير، وهو ما ظهر في البيان الذي صدر عقب الهبوط هذا الموسم.
الأكاديمية والصندوق الأسود وإثارة الجدل
وتميز نادي ساوثهامبتون بأكاديمية النادي التي أخرجت العديد من الموهبين، ولكن لم يستفد منهم النادي بالشكل الأمثل من الناحية الفنية ولم يحاول استغلالهم في المنافسة على البطولات، ولكنه استفاد منهم من الناحية الفنية وأفاد العديد من كبار أوروبا بمواهبه.
فقد أخرج القديسين مجموعة مميزة من اللاعبين إلى العالم أجمع مثل، جاريث بيل الذي انضم إلى ريال مدريد في صفقة قياسية، وآدم لالانا وفرجيل فان دايك وساديو ماني، وثيو والكوت وتشامبرلين وفورستر ولو شو، ولوفرين، وغيرهم الكثير.
بل وكان النادي مميز أيضا في اختيار مدربيه مثل ماوريسيو بوتشتينو، ورونالد كومان، اللذان صنعا العديد مع الفريق، بخلاف اللاعبين الذين يعتبرهم مشجعو النادي أساطير بالنسبة لهم.
وعلى رأس هؤلاء اللاعبين يأتي مات لو تيسيه الذي بعتر من أقرب اللاعبين إلى جماهير ساوثهامبتون، فهو صاحب الفضل في إنجازات الفريق في موسم 84 الذي أنهو فيه الموسم بالمركز الثاني في الدوري الإنجليزي، وكان من أكثر اللاعبين مهارة وولاء للنادي فقد قضى كامل مسيرته داخل النادي وشارك في 456 مباراة سجل خلالهم 161 هدفا.
ومن الأكاديمية والتطوير الفكري واختيار المدربين واللاعبين بعناية، إلى الاكتشاف الجديد الخاص بالنادي وهو الصندوق الأسود، حسب ما نشرت الصحافة الإنجليزية وكان أمر مذهل جدا للعالم، بدأ بتخلي النادي عن خمسة من نجومه في موسم 2014/2015، وتخلى عن مدربه بوتشتينو رغم أدائه الجيد مع الفريق وتعاقد مع رونالد كومان.
وقام كومان بإنشاء غرفة خاصة داخل النادي تسمى بالصندوق الأسود، وهي غرفة يتم فيها تحليل كل مباراة في البطولات الأوروبية المهمة لتحديد اللاعبين المطلوبين في الموسم المقبل، وبعدها يتم البحث عن حياتهم الشخصية وقدرتهم على التأقلم والعيش في ساوثامبتون، وساعد ذلك النادي في شراء صفقات بنسبة نجاح كبيرة وبعد دراسة صحيحة.
وفي الوسم التالي 2015/2016، قدم ساوثهامبتون موسم مميز جدا فقد أنهى الموسم في المركز السابع وبفارق بسيط عن أصحاب المركز الخامس والسادس، بل وقاتل بشكل كبير على المقاعد المؤهلة للدوري الأوروبي، وخلق ظاهرة خاصة به تسببت في إطلاق لقب "قاهر الكبار" عليه هذا الموسم.
وتمكن ساوثهامبتون في هذا الموسم من الفوز على كل من، مانشستر سيتي، وليفربول ومانشستر يونايتد وأرسنال، وتشيلسي.
ولم يقف إثارة قاهر الكبار للجدل عند هذا الحد، فقد تمكن من الفوز على سندرلاند 8-0 في البريميرليج موسم 2014/2015، وجلس كومان مدرب الفريق على مقاعد البدلاء وهو يبتسم ابتسامة سخرية، أطلق عليها الصحافة والجميع "الضحكة الشريرة"، واعتبروها عدم احترام إلى المنافس مثلما تعودنا في كرة القدم.
بل ولم يقف الامر عند هذا الحد، بل قام أحد مشجعي ساوثهامبتون بطلب الحصول على صورة مع سانتياجو فرجيني لاعب سندرلاند، وأشار بيده برقم 8، كسخرية من الخسارة.
وبعدها بعام، قام نادي ساوثهامبتون بالتعاقد مع المغربي سوفيان بوفال في صيف 2016/2017، مقابل 25 مليون يورو كأغلى صفقة في تاريخ النادي، بالرغم من معاناته من إصابة.
وفي العام الذي يليه أثار نادي القديسين جدل جديد، في موسم 2017/2018 بنشر فيديو مبتكر للإعلان عن قمصان الفريق، حيث اخترعوا شخصيات كرتونية للفريق، أثارت الجدل وقام بتقليده العديد من الأندية الأخرى.
الولاء للمدينة والبعد عن الألقاب وديربي الساحل
وكما ذكرنا في البداية فإن نادي ساوثهامبتون من أعرق الأندية ومن أكثرهم ولاء للمدينة وللكنيسة التي كان لها الفضل في تأسيسه، ولم يغير النادي ألوان قميصه منذ تأسيسه حتى يومنا هذا نهائيا، على عكس العديد من الأندية الأخرى، ولكنه محتفظ بألوانه الأساسية إلى الآن.
وأيضا شعار سوثهامبتون، بالرغم من تغيره من قبل ولكنه له شعارين فقط طوال تاريخه، وتمييز شعاره الحالي بأن كل رمز على الشعار له غرض، مثل هالة صفراء بأعلى الشعار للدلالة على القداسة التي تعود إلى الكنيسة، ويوجد كرة للدلالة على شخصية النادي، وهناك وشاح باللونين الأحمر والأبيض للدلالة على المشجعين، حتى الشجرة تمثل شجرة نيو فوريست التي اشتهر بها النادي، أما المياه تشير إلى اتصال المدينة بالبحر والأنهار، ويوجد في أسفل الشعار وردة بيضاء وهي ترمز للمدينة.
بالرغم من حب النادي العريق للجماهير في إنجلترا بشكل عام لأنه لم يكن له عداءات من قبل، ولكن عدوه الوحيد هو نادي بورنموث، ويوجد بينهما عداء تاريخي بسبب قرب المدن من بعضها والمياه بينهما، ويسمى الديربي الخاص بهما بديربي الساحل الجنوبي.
وبالرغم من كل هذا التاريخ العريق الذي تحدثنا عنه، فإن نادي ساوثهامبتون لا يملك سوى بطولة وحيدة بعيدا عن فوزه بالدوري الجنوبي أكثر من مرة، وهي كأس الاتحاد الإنجليزي في عام 1976، وذلك بالرغم من هبوطه وقد فاز باللقب على حساب العملاق مانشستر يونايتد، وكانت مفاجأة للجميع أن يفز عليه في المباراة بهدف مقابل لا شيء.
هل سيعود قريبا؟
وبعد كل هذه التفاصيل حول تاريخ نادي ساوثهامبتون والذي لازال لديه الكثير للتحدث عنه، هبط النادي للمرة الثالثة في تاريخه إلى تشامبيونشيب، في موسم سيئ من الفريق ولأسباب عديدة قد يكون أهمها مثلما قال ملاك النادي أنهم لم يتمكنوا من اللحاق بتطورات البريميرليج السريعة، ولكن هل سنرى القديسين في وقت قريب يعود إلى الدوري الممتاز، أم ستطول رحلته هذه المرة، وهل من الممكن أن نرى إنجازا جديدا يكتب في تاريخ أحد أعرق أندية إنجلترا بعدما تحصل الإدارة على وقتها لمحاولة تصحيح الأخطاء؟