السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

سياسات مصر الهادئة

الإثنين 08/مايو/2023 - 03:49 م

لا أفصل بين الطريقة التي يدير بها صانع القرار المصري اليوم سياساته في الإقليم وبين الآثار الكامنة في الوجدان الجمعي لمصر منذ المصريين القدماء.

فالمسألة أقرب بطبقات جيولوجية من الأفكار.. تتراتب بعضها فوق بعض في طبقات من التجارب التاريخية والآلام والأفراح، وربما "العُقد"، أو الخبرات.

فمنذ طرد الهكسوس من مصر، أدرك حكام وادي النيل أن أمن البلاد يبدأ من بلاد الشام، وأن التأمين الاستباقي لهذه الجبهة، والحضور فيها والاهتمام بها، يؤثر بصورة مباشرة على الداخل المصري.

وقد تسلم حكام مصر جيلا بعد جيل هذه القناعة، مصبوغة بعمق التجربة التاريخية، واختلف إدراكهم لأبعادها وصولا للعصر المملوكي الذي كان يدرك ضرورة تأمين جبهة الشام بوصفها البوابة الذهبية لمصر. 

وكان أن دارت الخيانات والتفاهمات السرية مع العثمانيين من قلاع وحصون الشام البعيدة، ما ألقى بظلاله على سير المعارك والأحداث في مصر.

وقد فطن محمد علي إلى كل هذا، ثم جاء ضباط يوليو، بعده بقرن ونصف تقريبا وهم يدركون هذه الأبعاد.

وإلى اليوم تجد في مصر الجيشين الثاني والثالث، في حين يتساءل البعض وأين الجيش الأول؟

وهي تسمية تراتبية تاريخية، بموجبها، فالجيش الأول في سوريا، والجيشين الثاني والثالث في مصر، وقد خاضت القاهرة ودمشق حرب أكتوبر المجيدة انطلاقا من هذا التقسيم الداخلي البيني، وملء إدراك الطرفين، أنهما جبهة واحدة في مواجهة أي عدو.

ولا تبدو خلاصة التجربة التاريخية بين مصر وسوريا منفصلة عن الأحداث الجارية اليوم والتي تشهد عودة سوريا إلى الجامعة العربية وإلى محيطها العربي بعد سنوات القطيعة التي أثبتت لا جدواها، أو بحد تعبير وزير الخارجية المصري، السيد سامح شكري "لا حل عسكريا في سوريا.. وأنه صراع بلا غالب ولا مغلوب"، وأشار إلى نداءات مصر التي لم تلق آذانا مصغية على مدار سنوات.. إلى أن وصل الجميع في نهاية المطاف إلى ذات التصور الذي طرحته القاهرة منذ اندلاع فتيل الأزمة في سوريا.

وقد أدارت مصر موقفها من الجاري في سوريا بهدوء، وسط محيط عربي غاضب ومتأثر بأجواء الربيع العربي أو واقع تحت ظلال خلاف عدد من العواصم الخليجية مع شخص وسياسات الرئيس بشار الأسد.

ووسط هذا الهدوء، كانت ترسل برسائل الطمأنة للداخل السوري، أن حكمة مصر لم تبرح صناع قرارها بعد وأن القاهرة ليست متأثرة بالمزاج العربي العام ولن تتراجع عن مسؤوليتها التاريخية بالحفاظ على سوريا، ولو بأضعف الإيمان وهو الامتناع عن مساندة توجهات لن تفضي إلا إلى هدمها دون أن تدري أو تستوعب التجربة التاريخية لهذا الإقليم والممتدة لآلاف السنين، والتي تدركها العراق وسوريا ومصر بوصفهم بوابات المنطقة ومهد حضاراتها.. ونقاط التماس المباشر وبوابات التصدي للعدوان الخارجي.

حتى لو أن حضور مصر ممثل في مزاجها وخيارها الشعبي بحفل فني للمطربة العظيمة عفاف راضي، أو حتى للمطرب الشعبي سعد الصغير، في قلب دمشق.

فمثل هذه اللمحات، في ظل حصار عربي مفروض على سوريا، بدت كإشارات يدرك الجميع مغزاها، لكن مصر تدير أوراقها بهدوء، ولا تمارس أدوارها بصخب، ولا تعلن عن سياساتها باستعراضية أو عنترية.

كل هذا لابد أن يفكر فيه المواطن المصري اليوم، وفي نفسه شيء من الثقة في قدرة بلاده على إدارة ملفاتها وسط عواصف لا تهدأ ولا ترحم.

تابع مواقعنا