السبت 30 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.. الجود والكرم

الأحد 16/أبريل/2023 - 03:08 م

ها هو لقاء الكرم وما أعظمه! لقاء بين كريمين على مائدة القرآن عندما ينزل سيدنا جبريل -عليه السلام- على سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فيدارسه القرآن الكريم في خير الشهور وأعظمها، وهذا التلاقي بين الكريمين أفرز حالة من الكرم الفياض عند رسول الله الكريم -عليه الصلاة والسلام.

يقول حبر الأمة سيدنا عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- عن هذا الخلق النبوي الكريم، وهذا الموقف العظيم بين سيدنا جبريل وسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة، أي الريح المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح المرسلة، وعبر بالمرسلة، للإشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة، وإلى عموم النفع بجوده كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه، قاله الحافظ ابن حجر.

 قيل: الحكمة فيه، أي في كونه أجود عند مدارسة القرآن مع جبريل أن مدارسة القرآن تجدد العهد بمزيد غنى النفس، والغنى سبب الجود، والجود في الشرع: إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي، وهو أعم من الصدقة، وأيضًا فرمضان موسم الخيرات، لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره، فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤثر متابعة الله في عباده، وبمجموع ما ذكر من: الوقت (رمضان)، والمنزل به (القرآن)، والنازل (سيدنا جبريل)، والمنزل عليه (سيدنا محمد)، ومذاكرة القرآن حصل المزيد من الخير والجود. 

وسيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في المقام الأرفع والمحل الأسمى في خلق الجود والكرم، بل في كل الصفات المحمودة والخلال الحسنة، فهو كما أقول دائمًا: إن أفعل التفضيل -وبلا منازع- يستحقها رسول الله في الصفات والخلال الحسنة كلها فهو (أعظم البشر وأرحم البشر وأعدل البشر، وأتقاهم وأنقاهم وأحسنهم وأخلصهم وأشجعهم وأكرمهم وأجودهم ----)، وصدق الإمام البوصيري حين قال عنه في البردة:

وانْسُبْ إلى ذاتِهِ ما شِئْتَ مِنْ شَرَفٍ

وَانْسُبْ إلى قَدْرِهِ ما شِئْتَ منْ عِظَمِ

فإن فضلَ رسولِ اللهِ ليسَ لهُ

حَدٌّ فيُعْرِبَ عنه ناطِقٌ بفمٍ

صلوات ربي وتسليماته عليك ياسيدي يا رسول الله.

 يقول القاضي عياض في كتابه الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وهو يتحدث عن أخلاق الجود والكرم، والسخاء والسماحة عند رسول الله: وكان -صلى الله عليه وسلم- لا يوازي في هذه الأخلاق الكريمة ولا يبارى، بهذا وصفه كل من عرفه، حتى قال عنه سيدنا جابر بن عبد الله -رضى الله عنهما: ما سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء فقال لا، وكان فيض كرمه وجوده مضرب الأمثال، حتى إنه ليتضاءل بجواره كرماء العرب الموسومين والمشهورين بهذه الصفة من أمثال حاتم الطائي، وعبد الله بن جدعان، وغيرهم من  أهل الجود والكرم.

وقد عرف رسول الله بهذا الخلق حتى قبل أن ينزل عليه الوحى ويكون نبيا، ولذلك عندما نزل عليه الوحي للمرة الأولى وهو يتعبد في غار حراء، ونزول الوحي كان أمرا يلاقي منه رسول الله شدة، فكيف بالمرة الأولى؟! فعاد النبي إلى بيته يقول لزوجه المخلصة الحنون السيدة  خديجة: زملوني زملوني، حتى سُرى عنه وهدأ روعه، وحكى لها ما لاقاه فاقبلت عليه تواسيه  قائلة له: والله لا يخزيك الله أبدا، ثم ذكرت له الأسباب التي جعلتها على يقين من هذا الحكم فقالت: إنك تحمل الكلَّ وتكسب المعدوم وتصل الرحم، وتعين على نوائب الدهر، وهي مقدمات تسوق إلى النتيجة التي استخلصتها، فإن من اتصف بهذه الصفات لا يتخلى عنه الله، ولا يصيبه أذى يخشاه، ومعنى: تحمل الكلَّ: أصل الكل هو الثقل ويدخل فيه الإنفاق على الضعيف والمسكين والمحتاج، ومعنى تكسب المعدوم أي: تعطي الناس ما لا يجدونه عند غيرك.

فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق ويعطي الجزيل لأنه يعلم أن خزائن الله لا تنفد، لذلك لما جاءه رجل يسأله فقال له: ما عندي شيء، ولكن ابتع علي فإن جاءنا شيء قضيناه.

 فقال له سيدنا عمر: ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي ذلك، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف البشر في وجهه، وقال: بهذا أمرت، واقتبس أحد الشعراء هذا المعنى فقال: أنفق ولا تخش إقلالًا فقد قسمت بين العباد مع الآجال أرزاق .

لا ينفع البخل مع دنيا مولية

 ولا يضر مع الإقبال إنفاق

 فرمضان شهر البر والإحسان، شهر الجود والكرم والإنفاق، شهر الصدقة والمواساة، تضاعف فيه أجور الصدقات وثوابها ببركة الشهر الفضيل، وذلك كله اقتداء بسيدنا رسول الله، حتى لا يكون في مجتمع المسلمين فقير محتاج، أو يتيم محروم، أو مريض لا يجد ثمن دوائه، أو أرملة ليس لها ولأولادها عائل، فلنبادر إلى الإنفاق والجود، ولا تستحي من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه، كما يقول سيدنا علي -رضى الله عنه، وها هو سيدنا رسول الله يقول فيما صح عنه من الحديث: من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه، حتى تكون اللقمة مثل الجبل، وفي رواية: وإن كانت تمرة فتربو حتى تكون أعظم من الجبل، ومعنى: تربو أي تزيد.

 وكانت أم المؤمنين السيدة عائشة _ رضي الله عنها _  إذا طرق بابها سائل، وأرادت أن تتصدق عليه بصدقة تطيب هذه الصدقة، وتقول لجاريتها: عندما تعطيه الصدقة اسمعى ما يدعو لنا به، فسألتها الجارية عن ذلك فقالت: أطيب الصدقة لأنها تقع في يد الله قبل أن تقع فى يد السائل فقالت لها: فلماذا تأمرينني أن أسمع ما يدعو به؟ قالت: حتى ندعو له بمثل ما دعا  لنا فنكون قد جازيناه بدعائه، ويبقى ثواب الصدقة خالصا لنا عند الله.

 وقد أمر النبي الكريم بالتصدق وحث عليه فقال: فاتقوا النار ولو بشق تمرة، تكون حجابًا وسترا من عذاب النار، وصدق الله عز وجل وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.

وتربى الصحابة الكرام على هذا الخلق العظيم من أخلاق المصطفى الكريم فضربوا أروع الأمثلة وأسماها في الجود والكرم، ولو ذهبنا نستقصيها ونعددها لضاق بنا المقام _ رضي الله عنهم أجمعين. مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم.

فاللهم تقبل منا واقبلنا، وخلقنا بأخلاق صاحب الخلق العظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

تابع مواقعنا