ادعوني أستجب لكم
قصة أبي البشر سيدنا آدم -عليه السلام- هي أولى القصص القرآني عن الأنبياء الكرام ورودًا في القرآن، وهذا أمر بديهي، فآدم أبو البشر، قال تعالى: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...) البقرة/ 30، ومنه ومن زوجه (حواء) تناسل الجنس البشري، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء...) النساء/1، ثم يحدثنا القرآن بعد ذلك في مواضع متعددة منه عن خلق آدم، وأمره للملائكة أن يسجدوا له وتعليمه الأسماء، وإسكانه هو وزوجه الجنة، مع تحذيره من عداوة الشيطان وكيده: (إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) طه/117، ولكن آدم نسي عهد الله، وخالف أمره، وظلم نفسه، وأكل من الشجرة هو وحواء، ولرحمة الله له ألهمه الاعتراف بالذنب والتوبة إليه فقبل الله توبته.
ونحن أبناء آدم، وفينا ما فيه، والشيطان لم يمت، وعداوته لم تنته وحيله لا تنحصر، ولأن الله هو خالقنا، وهو أعلم بحالنا وطباعنا في العودة إلى الذنوب مرة بعد مرة، فهو لرحمته بنا وتفضله علينا، عواد بالمغفرة: (غافر الذنب وقابل التوب)، لا يغلق بابه في وجه عبده ولا يمل من غفران ذنوبه، ويحدثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم – عن رجل أذنب ذنبا فقال: يا رب إني أذنبت ذنبا فاغفره، فقال -عز وجل-: (عبدي عمل ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي). ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره، فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبا فاغفره.. إلى أن يقول الله تعالي: عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني قد غفرت له) الإمام أحمد.
فلا تيأس من رحمة الله مهما كانت ذنوبك وخطاياك، واضرع إلى مولاك داعيا ذليلا مفتقرا معترفا بالذنب، واسأله أن يغفر لك فهو لا يخيب من دعاه ولا يرد من رجاه ويستحي من عبده إذا رفع يديه إلى السماء ضارعا أن يردهما صفرا بدون أن يضع فيهما خير، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يديه بالنهار ليتوب مسيء الليل فهما مبسوطتان أبدا ولا تلتفت لشياطين الإنس قبل الجن الذين يسودون الدنيا في وجهك ويوهمونك أن الله لن يغفر لك ويقطعون عليك خط الرجعة.
وبالنظر في القرآن الكريم نعلم أن الله -عز وجل- أمرنا بالدعاء ووعدنا الإجابة، قال تعالى: (وقال ربكم ادعوني استجب لكم..)، فإجابة الدعاء متحققة، ولكن في الوقت والحال الذي يقدره الله سبحانه، يقول سيدي أحمد بن عطاء الله السكندرى: (لا يكن تأخر أمد العطاء مع الإلحاح فى الدعاء موجبًا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك، وفى الوقت الذي يريد، لا فى الوقت الذى تريد)، فلا تمل من الدعاء، فلك بدعائك عند الله ثلاث خصال:
1 -إما أن يستجيب الله دعاءك، ويحقق لك ما دعوت به في الدنيا.
2 - وإما أن يصرف عنك من السوء مثل ما دعوت به.
3 - وإما أن يدخر لك ثواب دعائك وتضرعك إليه فتلقاه يوم القيامة.
والله - عز وجل- يحب العبد اللحوح في الدعاء، الذي يلزم باب غنى ربه وعزه، ويداوم طرق الباب حتى يفتح له، وصدق من قال:
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وقد ذكر العلماء للدعاء وتحققه شروطا ينبغي على العبد أن يحققها أولا، ثم يتوجه إلى الله بالدعاء بعد ذلك راجيا منه الإجابة والقبول، ومنها بل أهمها: أن يتحقق بعبوديته ذلًا وافتقارًا إلى الله -عز وجل- في السراء قبل الضراء، وفى حال الرغبة قبل الرهبة، والنعمة قبل البلاء، ولذلك عندما حدثنا ربنا عن بعض قصص الأنبياء في سورة (الأنبياء) كسيدنا: (موسى – إبراهيم_ وأيوب - ويونس - وزكريا..) عليهم جميعا الصلاة والسلام، بین الله تعالى أنه استجاب لدعواتهم لأنهم حققوا هذا الشرط فقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات، ويدعوننا رغبا ورهبًا، وكانوا لنا خاشعين)
وأيضًا من هذه الشروط: أن يجعل العبد طعامه وشرابه وملبسه جلالًا، وقد صح في الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات، واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم)، وقال: (يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يقول (يا رب، يا رب)، ومطعامه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذى بالحرام، فأنى يستجاب له.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.