تجلي النعم

 دكتورة (شيماء هشام سعد) بتقول إن جدتها الله يرحمها كانت بتزعل لما يقولولها المواعين اتوسخت وترد تقول لهم: “ربنا يكفينا شركم وشر كفية المواعين”.. اللي هو تقصد إنها تفضل نضيفة ومكفية!.. دكتورة (شيماء) بتقول عن فهمها لمعنى جملة جدتها اللي عرفته مع الوقت: علمت أن احتياج غرفة المعيشة للكنس والتنظيف يعني أننا اجتمعنا فيها: "اللهم أدِم هذا الجمع"، وترتيب غرف الصغار يعني أنهم في صحةٍ جيدة: "دومًا أصحاء يا رب".. وأن وقفة المطبخ تعني أن عندَنا ما نطبخُه: "لا تقطع الخير منّا يا رب"، وامتلاء الحوض بالأطباق والأواني يعني أننا لم نبتْ جوعى: "الحمد لله؛ أدمها من نعمة واحفظها من الزوال"، وتنظيف غرفة استقبال الضيوف يعني أن ضيفًا شاركَنا الوقتَ واللقمة: "اللهم ازرعْ مزيدًا من حُبِّنا في قلوبِ خلقِك"، وهكذا.. كل تعبٍ بإرجاعه إلى أصلِه هو تجلٍّ لنعمة.. تعلمتُ أن التنظيف خلفَ صغارِ البيتِ أمرٌ شاق، لكنه لن يكونَ أشقَّ عليَّ من مرضٍ يمنعُهم من صنع الفوضى، وأن وقفة المطبخ قد تؤلمُ الظهر، لكنّ عدمَ امتلاكِ ما أطبخه سيؤلم روحي.. البيت الذي لا يحتاجُ تنظيفًا وشغلًا هو البيت الذي ليس فيه الأنس واللمة.. تثمينُ النعمِ أولى بالعبد الشكور من تعدادِ الأتعاب.

 من 3 سنين وقبل نهاية الشهر بكام يوم فجأة وبدون مقدمات ولأسباب طارئة كل الفلوس الكاش اللي في جيبي اتصرفت، ومابقاش فاضل معايا غير شوية فكة!.. ماكنتش مهتم أعرف هما قد إيه وقلت فل مش مشكلة كده كده الفيزا موجودة، وهسحب من أي ATM والدنيا هتمشي.. هوب فيه مشكلة في الفيزا، والحساب المربوطة بيه، ومش هتتحل قبل يومين تلاتة عشان أيام الأجازات.. طلّع يا عم الفكة اللي في الجيب وعدهم شوفهم كام.. 43 جنيه أول عن آخر!.. في محفظتي كان فيه ورقتين نقديتين.. واحدة منهم من أبويا الله يرحمه، وكاتب لي عليها كلمتين، والتانية كانت إهداء للذكرى من حد تاني برضه بالتالي أكيد مش هصرفهم يعني.. كمان القبض فاضل عليه لسه كام يوم، ومع واحد زيي مش بيحب يستلف لكن ممكن يسلف عادي كل الأمور كانت ماشية في سكة إني هكمل اليومين تلاتة الجايين بـ الـ 43 جنيه.. وهو ينفع؟.. ماعرفش بس يلا نجرب أصل هتعمل إيه!، وبعدين أنت هتكون أول ولا آخر واحد يتزنق!.. بالورقة والقلم كان ده مستحيل.. زود على كده كمان إن آخر رصيد في الموبايل بخ في مكالمة البنك، وعشان الحالة الخزعبلية تكمل باقة النت برضه خلصت بالتالي الموضوع هيقتصر بس على المكالمات الواردة.. بتضطر تتنازل بمزاجك عن شوية حاجات كنت فاهم إن حياتك بدونهم هتبقى رخمة.. لم نفسك بقى وارمي على جنب أي ريحة شبرقة لحد ما يومينك دول يعدوا على خير.. وعليه ركوب "أوبر" بقى رفاهية مستبعدة، وحل مكانه المترو ثم مع تناقص الفلوس بقت التمشية لمسافات، وساعات طويلة هي الحل!.. طب والحل؟!.. بتحاول تشوف البدائل اللي ماتخلكش تحس إن فيه حاجة غلط.. بتكتشف إن كوباية القهوة المعتبرة أو الشاي في القهوة البلدي أرخص وبيأدوا الغرض وبيعدلوا المزاج عادي أكتر من النسكافيه أو اللاتيه اللي اتعودت تشربهم في الكافيه الفلاني.. بتعرف إن شقتين الفول بالبيض من على عربية الفول بيلكموا ويسدوا عن أجدعها أكلة في أجدعها مطعم.. لما ماتتصلش بالقريبين منك هتعرف غلاوتك عندهم حجمها إيه، ومين اللي هيلاحظ غيابك، وهيدور عليك، ومين اللي غيابك هيريحه.. هتشوف إن التمشية في الشوارع وعلى قد ما فيها إرهاق بس كان جوه تعبها اكتشافك لـ شوارع وتخريمات ماكنتش هتعرفها لو ده ماحصلش!.. رغم محاولة لم المسائل قدر الإمكان بس مع مرور الوقت حتى الـ 43 بقوا يقلوا بشكل سريع!.. بقوا 30 بقوا 25 بقوا 13 ولحد ما بقوا حرفيًّا 3 جنيه!.. وعشان أغلبنا متغلف بـ الستر فـ أي حد يشوفك ولا هيبان عليك ولا هيحس إن الشخللة المسموعة في جيوبك دي سببها العملتين المعدن اللي فضلوا!.. الحمد لله الدنيا اتحلت بس كان فيه نظرة مختلفة طلعت بيها.. احنا بنتعود على النعم، وبيجيلنا اعتقاد إنها دايمة، مضمونة، مستمرة، وأبدية.. مع إن كل نعمة من اللي محاوطينك معرضة للزوال يا إما دايمًا يا إما بشكل لحظي!.. الشغلانة اللي مش عاجبك مرتبها؛ فيه مليون واحد يتمنوا ربعه، وبأضعاف مجهودك اللي بتعمله.. قدرتك على الوقوف على رجليك أو التنفس بشكل طبيعي هما حلم واحد تاني مستعد يدفع عمره عشان يجربهم شوية.. ابنك أو بنتك اللي بتضربهم أو بتكسر نِفسهم فيه غيرك يتمنى يسمع منهم كلمة "بابا" أو "ماما".. أبوك وأمك اللي بتدخل معاهم في مناوشات هبلة عشان فاكر إنهم ضد الموت أو الغياب هيفاجأوك ويمشوا فجأة، وهياخدوا حتة من قلبك، ومش هتعرف تعوض الساعات اللي راحت.. صديقك اللي بتيجي عليه دايمًا بـ حجة إنه طيب وهيسامح قلبه هيتقفل منك قفلة نهائية يعوض بيها جزء من كرامته اللي اتنازل عنها كتير ليك.. النعم 3 أنواع.. نعمة عارفها، ونعمة بتنتظرها، ونعمة عايش في خيرها ومش حاسس بيها.. ربنا يجعلنا شوّافين لـ ملايين النعم، وحاسين بيها سواء شوفناها أو لأ.. مهما شكرنا مش هنقدر نوّفي بس الحمد لله ليك يا رب وألف شكر.