حكايات من دفتر نساء الصعيد عن ختان الإناث.. عفة أم أفكار رجعية؟
طول عمري بقول لبناتي حافظي على جسمك، إزاي آجي فجأة أهدملها كل المفاهيم دي وأخلي حد يعمل فيها كدا.. كلمات مثلت نقطة الانطلاق لهبة أبازيد رائدة اجتماعية صعيدية، قررت الانضمام لحملات التوعية ضد ختان الإناث والتمييز ضد المرأة في مختلف المجالات.
هبة أبازيد امرأة تعيش في مدينة بنبان بمحافظة أسوان في أقصى جنوب مصر، أي أنها سيدة صعيدية قد يعتقد بعض الناس أنها تتبنى أفكارًا مغلقة مثلما نشاهد في الأفلام التي تروج لانغلاق نساء الصعيد على أنفسهن، إلا أنها قررت الانضمام لحملات التوعية التي يطلقها الاتحاد الأوروبي في جنوب البلاد لمواجهة قضايا العنف والتمييز ضد المرأة، سواء من خلال ختانها أو تزويجها قبل الـ18 سنة.
تعتمد هبة في نشرها للوعي ببنبان على سياسة طرق الأبواب، خصوصا أنها ليست حملات توعية بمعناها المنفر الذي لا يتقبله الأهالي عندما يجدون أن هناك أفرادًا يعطونهم دروسًا لتغيير مفاهيمهم، بل تذهب هبة لجيرانها وأصدقائها وتجلس معهم في الشرفة أو المنزل أو في أي مكان وتبدأ في الحديث معهم عن ضرورة وقف العنف ضد بناتهم والتوقف عن ختانهم وإرهابهم.
هل الختان عنوان العفة والتربية؟
السؤال الأول الذي يتبادر إلى أذهان جميع من يلتقي هبة التي الأم لطفلتين، هل ختنتي بناتك وتأتين لبيع الشعارات لنا الآن؟ إلا أن هبة لم تختن بناتها، والمفاجأة أنها نفسها لم تُختن في صغرها، وهو ما يجعلها تقول لهم، لم يتم تختيني وأصبحت ذات خُلق رفيع وتزوجت وأنجبت، وأنت تختنتي فماذا فرقتِ عني؟ هل أنا فسدت أخلاقي؟ إن العبرة بالتربية والعفة، ونحن عفيفات دون أي شيء، والدليل أنكن أدخلتموني منزلكن وتعرفونني منذ زمن فات ولم ترين مني أي شيء على غير خلق.
تتحدث هبة عن طفلة تم تختينها في بنبان وظلت تنزف كثيرًا دون توقف، حيث إن عملية تختين الفتيات تجعلها عرضة لتعب جسدي يضعها في الخطر بين الحياة والموت، فضلًا عن التعب النفسي والأذى الذي تتعرضن له ويظل باقي معهن فترات طويلة إلى أن تتمكن من التعافي، حيث تقول دائمًا لبناتها: المنطقة دي عيب ماتخليش حد يمسكك من البنطلون، آجي أخلي حد يعمل فيها كدا، تفكيرها تخبط ونفسيتها وشخصيتها بتتهز وبتفضل فترة مهزوزة نفسيًا.
وتمكنت هبة من إقناع مجموعة أسر من التوقف عن ختان الإناث، حيث إن هناك عائلات ختنت الابنة الكبرى وبعدما سمعت منها وزملائها، قرروا عدم ختان الابنة الصغرى.
مصاريف تعليم البنات.. الولاد أولى بها
لا تتوقف أزمات الصعيد عند مسألة الختان، بل أيضًا الحرمان من التعليم وتفضيل الزواج المبكر، وهي المسألة التي تركز عليها خلود علي محمد من وحدة إدفو الرمادي التابعة لمحافظة أسوان بجنوب مصر، التي تسعى لإنقاذ بني جنسها من التسريب من التعليم.
تعتقد مجموعات كبيرة من أهل الصعيد أنه إذا كان لديهم أبناء وبنات، فالأحق في التعليم هو الولد، وإذا اشتدت عليهم الأوضاع الاقتصادية العصيبة، أو أي أزمة مالية فيقرروا تسريح البنات من التعليم كي يوفرن المال لإنفاقه على الأبناء الأولاد، أو ترى الأسرة أن البنت مصيرها لبيتها وجوزها فلا حاجة للتعليم وبالتالي يتم تسريحها وتزويجها عند الـ14 سنة.
البنت لو مش متعلمة هيبقى مصيرها الطلاق
البنت لو مش متعلمة مش هتعرف تتعامل مع جوزها وهيبقى مصيرها الطلاق.. بهذا المفهوم بدأت خلود علي محمد إقناع الأسر المحاوطة لها التي تخرج للحديث معهم ضمن حملات التوعية التي يطلقها الاتحاد الأوروبي، من خلال طرق سيدات صعيديات من أهل البلاد، لأبواب جيرانهم لإقناعهم بالحفاظ على تعليم بناتهم.
ترى خلود أن البنت التي لم تتلق تعليمها، لن تتمكن من تربية أبنائها التربية السليمة التي تجعلهم أفراد مؤثرين في المجتمع ونافعين لأنفسهم وأسرهم، فضلًا عن عدم قدرتها على التعامل مع زوجها بالطريقة الملائمة أو تحتويه، حتى لو كان أقل منها في مستوى التعليم، فإذا كانت متعلمة، فستكون لديها القدرة على التعامل الجيد معه.
وتكمل: دون تعليم، لن تتمكن من التعامل الصحيح مع زوجها واحتوائه، ومهيبجاش فيه فكر ولا وعي هو ريتم واحد للحياة والعرف، حيث إن الجهل يجعل هناك زيادة في حالات الطلاق، لأن الزوجة لا تستطيع أن تفهم زوجها وتتعامل معه بالطريقة المناسبة.
اللي اتعلموا خدوا ايه
الأمهات التي تتحدث مع خلود ترى أنها لم تقم بأي شيء مفيد في حياتها، فهي تعلمت جيدًا وحصلت على الماجستير، إلا أنها لم تلتحق بوظيفة كبرى، ليكون رد خلود عليهم: أنا مبسوطة بشغلي إني أوعي الناس وأساعدهم ده الإنجاز اللي بالنسبة لي، لتذهب بعد ذلك تلقي ندوة وتجد أن السيدة التي وجهت لها هذه الكلمات تجلس في الصف الأول وتنصح النساء بألا يخرجوا بناتهن من التعليم.