الأربعاء 27 نوفمبر 2024
More forecasts: Wetter 4 wochen
رئيس التحرير
محمود المملوك
أخبار
حوادث
رياضة
فن
سياسة
اقتصاد
محافظات

كلم نفسك وانضم لمنظومة العقلاء

السبت 28/يناير/2023 - 08:16 م

إحساس رائع أن تجد من يسمعك 24 ساعة يوميًّا بلا ملل.. والأروع أنه مؤمن بكل حرف تقوله، فلماذا تضيع هذه الروائع، ولا تجلس مع نفسك؛ لتعرف مِلَّتها وتتفاهما؟! لا ترمقني بنظرات الاستهجان؛ فكلٌّ منا صار اليوم في أمسِّ الحاجة لفتح نافذة حوار مع نفسه؛ لينضم إلى منظومة العقلاء، ويُحدِث التفاعل الاجتماعي والانسجام النفسي؛ حتى لا يكون هو في وادٍ ونفسه في وادٍ. تَواصلْ معها.. كلمها واسمعها.. فضفض.. انفعل.. تشجع وواجهها بأخطائها.. اكسر عنادها برفض اعترافها بالخطأ والتمادي فيه، وستنصاع وتستجيب لك على الفور، ما دام الكلام من (أنت) لـ (أنت). فهِّمْها أنها ليست نبيًّا معصومًا أو ملَكًا كريمًا.. افعل مثل طاهر ابن أخت جدتي (يُعتبَر خالي).. أغلِقْ عليها الباب، وعلِّمْها الأدب.. كن مثلي، واستغل خروجاتك معها، وكلمها في الشارع.. خذ بنصيحة أنطون تشيخوف، وافعل مثل إيونا بوتابوف، الذي شكا لحصانه فاجعة فقده ابنه.. أَخرِجْ من مخزنها ألغام القهر والكبت والغضب حممًا كلامية في الهواء، ولا تتركها بركانًا يفجرك.

في زمننا هذا لن تجد من يسمعك إلا نفسك، فلماذا تتركها وتجري وراء بشر تستجدي منهم أن يسمعوك؟! كلم نفسك في كل وقت وحين.. لا تخف.. لن يقول أحد عنك إنك مجنون.. لن يلتفت إليك أحد أصلًا؛ فكلُّ واحد فيه ما يكفيه، وحتى لو حدث، فلماذا تعبأ بنظرات وتلميحات أو حتى تصريحات مَن لا يريد أن يسمعك؟!

إذا تأخرت عن عملك، وكنت تبحث عن فردة شراب، ولم تجدها، لا تكتم في نفسك.. امسح بالدولاب الأرض، ولا تحرق دمك.. احرق دم الدولاب والحجرة والشقة.

وحال تذكُّرك أنك أنت المخطئ، ووضعتَه في مكان ونسِيْتَ، من حق الدولاب عليك أن تعتذر له.. مش عيب؛ فهذه شجاعة الاعتذار والرجوع إلى الحق.

لا تتحرج في فعلتك هذه.. اطمئن.. لست وحدك.. فهناك ملايين يشاركونك حالتك هذه، وكل منهم في حوار متواصل وساخن مع نفسه.

واعلم – أعزك الله – أن تواصلك مع نفسك يحل جميع مشاكلك، حتى المستحيلة. فلو أن أحدًا ظلمك ظلمًا بيِّنًا، يمكن أن تفعل به كل ما تشتهي.. اجلس مع نفسك جلسة صفا، أو تمدَّدْ واسترخِ، واصنع عالمك الذي أنت فيه الملك والمالك الوحيد للأحداث والقرار، واترك نفسك تتصرف، فستكتشف أن مَلَكَتك الإبداعية تفوق عظماء الأدب في العالم.

أما عن تجربتي الشخصية في التواصل مع نفسي من باب قبول الآخر فإني اكتشفت من خلال تحاورنا إني رغَّاي جدًّا، وإني دمي خفيف جدًّا، وأني اجتماعي جدًّا جدًّا، على عكس ما كنت أتخيل من آراء أصدقائي في شخصيتي.

كما اكتشفت أن هناك من لا يضطرك لإعادة توضيح لقصدك بكل كلمة تقولها، أو تنهيدة تزفرها، أو نظرة تفلت منك، ولن يطلب منك شهادة موثقة بإثبات حسن نيتك وسلوكك.

سيظل يسمعك، ولا يقاطعك، وحتى لو قاطعك، فستكون مقاطعته استكمالًا لرغيك ووفقًا لرغبتك؛ لأن من قاطعك هو أنت؛ وبالتالي فـ (أنت) تسمع (أنت).

وفي النهاية توصلت لنتيجة، وهي أني أصبحت أمتلك الجرأة في إعلان رأيي، ولا همَّني نفسي، ولا سخريتها مني أو الاستخفاف بي، بالعكس من جانبها هي تفهَّمَتْ رأيي، وأنا بدوري نجحت في قبول الآخر، ولم يكن بداخلي أي شيء يعكر صفو علاقتي بنفسي، رغم محاصرتي بشتى صنوف المنغصات والنكد، حتى إني الآن أتباهى بأني أصبحت مثل طاهر ابن أخت جدتي، والذي هو في مقام خالي، ولم أحتَج إلى حصان إيونا بوتابوف، فمعي نفسي، وهذا يكفيني.

تابع مواقعنا