الشبابُ وموجةُ الانتحار
انتشرتْ مؤخرًا ظاهرةُ الانتحارِ بينَ الشبابِ لأسبابٍ متعدِّدةٍ، قد تكون اجتماعيَّةً أو نفسيَّةً أو غيرَها، وفي الحقيقةِ تلكَ الظاهرةُ هي ظاهرةٌ دخيلةٌ على مجتمعاتنا العربيَّةِ والإسلاميِّةِ، وإن دَلَّت على شيءٍ؛ فإنَّما تدلُّ على قِلَّةِ الدينِ في النفوسِ، وضعف الإيمانِ في القلوبِ، وعدمِ الصدقِ في التوكلِ على اللَّهِ، وانعدامِ اليقينِ باللَّهِ، لأنَّ هؤلاءِ الشبابَ الذينَ يقدمونَ على تلك الجريمةِ غيرِ السويَّةِ التي لا تتفقُ مع الفطرةِ الإنسانيَّةِ لو كان لديهم مثقالُ ذرَّةٍ من إيمانٍ؛ لما أقدموا على تلك الجريمةِ النكراء في حَقِّ أنفسِهم، قبلَ أن تكونَ جريمةً في حَقِّ أُسَرِهم ومجتمعاتِهم التي هي في أمسِّ الحاجةِ إليهم، وإلى مجهوداتِهم وخدماتِهم كُلُّ في موقعِه ومجالِه، وقد نَسِيَ هؤلاءِ الشبابُ أو رُبَّما تناسوا تحتَ ضغطِ الظروفِ التي أعمتْ بصائرَهم، وأصمَّتْ آذانَهم، وعَطَّلَتْ تفكيرَهم، أنَّ اللَّهَ هو الرزَّاقُ ذو القُوَّةِ المتينُ، يرزقُ بالأسبابِ، وبغيرِ الأسبابِ، ودونَ الأسبابِ، وبضدِ الأسبابِ، ولا يحتاجُ إلى أسبابٍ، لأنَّه هو مسبِّبُ الأسبابِ، وأنَّه (سبحَانَه وتعالى) ما بينَ طرفةِ عينٍ وانتباهتِها؛ يغيِّرُ من حالٍ إلى حالِ، وأنَّ له كُلِّ يومٍ شأنٌ مع عبادِه، يرفعُ أقوامًا، ويضعُ آخرينَ، يغني ويفقرُ، يعزُّ ويذلُ، بيده الخيرُ إنَّه على كُلِّ شئٍ قديرٌ، نجَّى إبراهيمَ (عليه السَّلامُ) وهو في جوفِ النارِ، ونجَّى يونسَ (عليه السَّلامُ) وهو في بطنِ الحوتِ، ونجَّى موسى (عليه السَّلامُ) وهو يسبحُ فوقَ الماءِ في التابوتِ، ونجَّى محمَّدًا (صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بخيوطِ العنكبوتِ، وهو قديرٌ على أن ينجيكَ من أحلكِ الظروفِ ومصائب الدهرِ بقولِه (كن) فيكون، فأمرُه بينَ الكافِ والنون، وهذا دأبُه وشأنُه مع عبادِه المؤمنينَ في كُلِّ زمانٍ ومكانٍ- وليسَ مع أنبيائِه ورسلِه فقط - حيثُ قالَ جَلَّ شأنُه{وكذلكَ ننجي المؤمنينَ}.(الأنبياء، من الآية:٨٨)، فالذي رزقكَ وأنتَ في بطنِ أمِّكَ، لا حولَ لكَ ولا قُوَّةَ، والذي أعطاكَ قبلَ أن تسأل، كيفَ لا يرزقُكَ ويعطيكَ وأنتَ تسألُ؟! فاللَّهُ قد ضمنَ لك رزقكَ قبلَ أن يخلقَكَ، وقَدَّرَه لكَ تقديرًا، ولن تموتَ نفسٌ حتى تستكملَ رزقَّها وأجلَها، وثق تمامَ الثقةِ وكمالَها أنَّه ما منعكَ إلَّا ليعطيَك، وما ابتلاكَ إلَّا ليقربَكَ، وما أخر عنكَ شيئًا تراه جميلًا في نظركَ إلَّا ليعطيكَ الأجمل في نظرِه، فعلامَ التسخُّطُ على القضاءِ والقدرِ؟! وعلامَ التمردُ على أرزاقِ العبادِ والبشرِ؟!
أيُّها الشابُّ: رُوحكَ ليست ملكَكَ، إنَّما ملكُ خالقِك الذي خلقكَ فسواكَ فعدلكَ، في أيِّ صورةٍ ما شاء رَكَّبَكَ، فهو فقط مَن يملُك حَقَّ انتزاعِها منك، في الأجلِ الذي حَدَّدَه لك، فعليكَ أن تتعاملَ مع أقدارِ اللَّهِ بنفسٍ راضيةٍ مرضيَّةٍ، واعلم أنَّ أقدارِ اللَّهِ كُلَّها لك خيرٌ، وأنَّك كما تؤجرُ على السَرَّاء؛ تؤجرُ كذلكَ على الضرَّاء، فقضاؤُكَ وقدرُكَ كُلُّه في ميزانِ حسناتِك إن صبرتَ واحتسبتَ الأجرَ والثوابَ عندَ اللَّهِ، حيثُ قالَ - صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:{ عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ.